للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} وَقَالَ: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} إلَى قَوْلِهِ: {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} وَمَا اعْتَقَدَ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَطُّ أَنَّ الْأَصْنَامَ هِيَ الَّتِي تُنْزِلُ الْغَيْثَ وَتَرْزُقُ الْعَالَمَ وَتُدَبِّرُهُ وَإِنَّمَا كَانَ شِرْكُهُمْ كَمَا ذَكَرْنَا أَنْ اتَّخَذُوا مَنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَهَذَا الْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَمَا يُحِبُّ اللَّهَ تَعَالَى فَقَدْ أَشْرَكَ وَهَذَا كَقَوْلِهِ: {قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ} {تَاللَّهِ إنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} {إذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} . وَكَذَا مَنْ خَافَ أَحَدًا كَمَا يَخَافُ اللَّهَ أَوْ رَجَاهُ كَمَا يَرْجُو اللَّهَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي: فَالشِّرْكُ فِي الرُّبُوبِيَّةِ فَإِنَّ الرَّبَّ سُبْحَانَهُ هُوَ الْمَالِكُ الْمُدَبِّرُ الْمُعْطِي الْمَانِعُ الضَّارُّ النَّافِعُ الْخَافِضُ الرَّافِعُ الْمُعِزُّ الْمُذِلُّ فَمَنْ شَهِدَ أَنَّ الْمُعْطِيَ أَوْ الْمَانِعَ أَوْ الضَّارَّ أَوْ النَّافِعَ أَوْ الْمُعِزَّ أَوْ الْمُذِلَّ غَيْرُهُ فَقَدْ أَشْرَكَ بِرُبُوبِيَّتِهِ. وَلَكِنْ إذَا أَرَادَ التَّخَلُّصَ مِنْ هَذَا الشِّرْكِ فَلْيَنْظُرْ إلَى الْمُعْطِي الْأَوَّلِ مَثَلًا فَيَشْكُرَهُ عَلَى مَا أَوْلَاهُ مِنْ النِّعَمِ وَيَنْظُرْ إلَى مَنْ أَسْدَى إلَيْهِ الْمَعْرُوفَ فَيُكَافِئَهُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ {مَنْ أَسْدَى إلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوَا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ} لِأَنَّ النِّعَمَ كُلَّهَا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} وَقَالَ تَعَالَى: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ} فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُعْطِي عَلَى الْحَقِيقَةِ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي خَلَقَ الْأَرْزَاقَ وَقَدَّرَهَا وَسَاقَهَا إلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَالْمُعْطِي هُوَ الَّذِي أَعْطَاهُ وَحَرَّكَ قَلْبَهُ لِعَطَاءِ غَيْرِهِ. فَهُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ.