صَارَتْ هَذِهِ الْأَرْضُ كُلُّهَا دَارَ الْإِسْلَامِ فَقَالَ: {لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ} وَكَوْنُ الْأَرْضِ دَارَ كُفْرٍ وَدَارَ إيمَانٍ أَوْ دَارَ فَاسِقِينَ لَيْسَتْ صِفَةً لَازِمَةً لَهَا؛ بَلْ هِيَ صِفَةٌ عَارِضَةٌ بِحَسَبِ سُكَّانِهَا فَكُلُّ أَرْضٍ سُكَّانُهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ هِيَ دَارُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَكُلُّ أَرْضٍ سُكَّانُهَا الْكُفَّارُ فَهِيَ دَارُ كُفْرٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَكُلُّ أَرْضٍ سُكَّانُهَا الْفُسَّاقُ فَهِيَ دَارُ فُسُوقٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِنْ سَكَنَهَا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا وَتَبَدَّلَتْ بِغَيْرِهِمْ فَهِيَ دَارُهُمْ. وَكَذَلِكَ الْمَسْجِدُ إذَا تَبَدَّلَ بِخَمَّارَةٍ أَوْ صَارَ دَارَ فِسْقٍ أَوْ دَارَ ظُلْمٍ أَوْ كَنِيسَةً يُشْرِكُ فِيهَا بِاَللَّهِ كَانَ بِحَسَبِ سُكَّانِهِ؛ وَكَذَلِكَ دَارُ الْخَمْرِ وَالْفُسُوقِ وَنَحْوُهَا إذَا جُعِلَتْ مَسْجِدًا يُعْبَدُ اللَّهُ فِيهِ جَلَّ وَعَزَّ كَانَ بِحَسَبِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ يَصِيرُ فَاسِقًا وَالْكَافِرُ يَصِيرُ مُؤْمِنًا أَوْ الْمُؤْمِنُ يَصِيرُ كَافِرًا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ كُلٌّ بِحَسَبِ انْتِقَالِ الْأَحْوَالِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً} الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مَكَّةَ لَمَّا كَانَتْ دَارَ كُفْرٍ وَهِيَ مَا زَالَتْ فِي نَفْسِهَا خَيْرَ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبَّ أَرْضِ اللَّهِ إلَيْهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ سُكَّانَهَا. فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ مَرْفُوعًا: {أَنَّهُ قَالَ لِمَكَّةَ وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْحَزْوَرَةِ: وَاَللَّهِ إنَّك لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْك لَمَا خَرَجْت} وَفِي رِوَايَةٍ: {خَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَيَّ} فَبَيَّنَ أَنَّهَا أَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَكَانَ مَقَامُهُ بِالْمَدِينَةِ وَمَقَامُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute