للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِنْ قِيلَ: فَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ قَالَ {يَسْرِي عَلَى الْقُرْآنِ فَلَا يَبْقَى فِي الْمَصَاحِفِ مِنْهُ آيَةٌ وَلَا فِي الصُّدُورِ مِنْهُ آيَةٌ} وَهَذَا يُنَاقِضُ هَذَا. قِيلَ: لَيْسَ كَذَلِكَ. فَإِنَّ قَبْضَ الْعِلْمِ لَيْسَ قَبْضَ الْقُرْآنِ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الْآخَرِ {هَذَا أَوَانٌ يُقْبَضُ الْعِلْمُ. فَقَالَ بَعْضُ الْأَنْصَارِ: وَكَيْفَ يُقْبَضُ وَقَدْ قَرَأْنَا الْقُرْآنَ وَأَقْرَأْنَاهُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْك أُمُّك إنْ كُنْت لَأَحْسِبُك لَمِنْ أَفْقَهِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ لَيْسَتْ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ عِنْدَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؟ فَمَاذَا يُغْنِي عَنْهُمْ؟} . فَتَبَيَّنَ أَنَّ مُجَرَّدَ بَقَاءِ حِفْظِ الْكِتَابِ لَا يُوجِبُ هَذَا الْعِلْمَ لَا سِيَّمَا أَنَّ الْقُرْآنَ يَقْرَؤُهُ الْمُنَافِقُ وَالْمُؤْمِنُ وَيَقْرَؤُهُ الْأُمِّيُّ الَّذِي لَا يَعْلَمُ الْكِتَابَ إلَّا أَمَانِيَّ. وَقَدْ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: " الْعِلْمُ عِلْمَانِ: عِلْمٌ فِي الْقَلْبِ وَعِلْمٌ عَلَى اللِّسَانِ. فَعِلْمُ الْقَلْبِ هُوَ الْعِلْمُ النَّافِعُ وَعِلْمُ اللِّسَانِ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ". فَإِذَا قَبَضَ اللَّهُ الْعُلَمَاءَ بَقِيَ مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ بِلَا عِلْمٍ فَيَسْرِي عَلَيْهِ مِنْ الْمَصَاحِفِ وَالصُّدُورِ. فَإِنْ قِيلَ: فَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ عَنْ قَبْضِ الْأَمَانَةِ وَأَنَّ {الرَّجُلَ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْوَكْتِ. ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ فَيَظَلُّ