للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِنْ كَانَ مَنَاطَ الْحُكْمِ فَهُوَ قِيَاسُ تَعْلِيلٍ. وَذَلِكَ أَنَّ الْعُلُومَ وَالْإِرَادَاتِ وَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ الْكَلِمَةِ الْخَبَرِيَّةِ وَالطَّلَبِيَّةِ إذَا كَانَتْ عَامَّةً جَامِعَةً كُلِّيَّةً فَقَدْ دَخَلَ فِيهَا كُلُّ مَطْلُوبٍ فَلَمْ يَبْقَ مِمَّا يَطْلُبُ عِلْمَهُ شَيْءٌ وَكُلُّ مَقْصُودٍ مِنْ الْخَبَرِ فَلَمْ يَبْقَ فِيهَا مِمَّا يَطْلُبُ قَصْدَهُ شَيْءٌ ثُمَّ ذَلِكَ عِلْمٌ وَإِرَادَةٌ لِنَفْسِهَا وَذَاتِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ مُفْرَدَةً أَوْ مُرَكَّبَةً. ثُمَّ لَا بُدَّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا عِلَّتَانِ: إحْدَاهُمَا السَّبَبُ وَهِيَ الْعِلَّةُ الْفَاعِلَةُ وَالثَّانِي الْحِكْمَةُ: وَهِيَ الْعِلَّةُ الغائية. فَذَلِكَ هُوَ الْعِلْمُ وَالْإِرَادَةُ لِلْأُمُورِ الْأَوَّلِيَّةِ. فَإِنَّ السَّبَبَ وَالْفَاعِلَ أَدَلُّ فِي الْوُجُودِ الْعَيْنِيِّ. وَالْحِكْمَةُ وَالْغَايَةُ أَدَلُّ فِي الْوُجُودِ الْعِلْمِيِّ الْإِرَادِيِّ؛ وَلِهَذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ الغائية عِلَّةً فَاعِلِيَّةً لِلْعِلَّةِ الْفَاعِلِيَّةِ. وَكَانَتْ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ عِلَّةَ الْعِلَلِ لِتَقَدُّمِهَا عِلْمًا وَقَصْدًا وَأَنَّهَا قَدْ تَسْتَغْنِي عَنْ الْمَعْلُولِ وَالْمَعْلُولُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا وَأَنَّ الْفَاعِلَ لَا يَكُونُ فَاعِلًا إلَّا بِهَا وَأَنَّهَا هِيَ كَمَالُ الْوُجُودِ وَتَمَامُهُ؛ وَلِهَذَا قُدِّمَتْ فِي قَوْلِهِ: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} . فَإِذَا كَانَتْ الْحِكَمُ الْمُظْهِرَةُ لِلْعَلَمِ وَالطَّلَبِ فِيهَا الْفَوَاتِحُ وَفِيهَا الْخَوَاتِمُ جَمَعَتْ نَوْعَيْ الْعِلَّتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ. وَإِذَا كَانَتْ جَامِعَةً كَانَتْ عِلَّةً عَامَّةً.