بِالْمَاءِ حَيَاةَ الْأَبْدَانِ وَشَبَّهَ الْقُلُوبَ بِالْأَوْدِيَةِ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْعِلْمِ كَمَا أَنَّ الْأَوْدِيَةَ مَحَلُّ الْمَاءِ فَقَلْبٌ يَسَعُ عِلْمًا كَثِيرًا وَوَادٍ يَسَعُ مَاءً كَثِيرًا وَقَلْبٌ يَسَعُ عِلْمًا قَلِيلًا وَوَادٍ يَسَعُ مَاءً قَلِيلًا وَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ يَعْلُو عَلَى السَّيْلِ مِنْ الزَّبَدِ بِسَبَبِ مُخَالَطَةِ الْمَاءِ وَأَنَّهُ يَذْهَبُ جُفَاءً أَيْ: يُرْمَى بِهِ وَيُخْفَى وَاَلَّذِي يَنْفَعُ النَّاسَ يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ وَيَسْتَقِرُّ وَكَذَلِكَ الْقُلُوبُ تُخَالِطُهَا الشَّهَوَاتُ وَالشُّبُهَاتُ فَإِذَا ترابى فِيهَا الْحَقُّ ثَارَتْ فِيهَا تِلْكَ الشَّهَوَاتُ وَالشُّبُهَاتُ ثُمَّ تَذْهَبُ جُفَاءً وَيَسْتَقِرُّ فِيهَا الْإِيمَانُ وَالْقُرْآنُ الَّذِي يَنْفَعُ صَاحِبَهُ وَالنَّاسَ وَقَالَ: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ} فَهَذَا الْمَثَلُ الْآخَرُ وَهُوَ النَّارِيُّ فَالْأَوَّلُ لِلْحَيَاةِ وَالثَّانِي لِلضِّيَاءِ. وَنَظِيرُ هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ: الْمِثَالَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} إلَى قَوْلِهِ: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} إلَى آخِرِ الْآيَةِ. وَأَمَّا الْكَافِرُ فَفِي ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ غَيْرَ حَيٍّ وَإِنْ كَانَتْ حَيَاتُهُ حَيَاةً بَهِيمِيَّةً فَهُوَ عَادِمُ الْحَيَاةِ الرُّوحَانِيَّةِ الْعُلْوِيَّةِ الَّتِي سَبَّبَهَا سَبَبُ الْإِيمَانِ وَبِهَا يَحْصُلُ لِلْعَبْدِ السَّعَادَةُ وَالْفَلَاحُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الرُّسُلَ وَسَائِطَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ فِي تَعْرِيفِهِمْ مَا يَنْفَعُهُمْ وَمَا يَضُرُّهُمْ وَتَكْمِيلُ مَا يُصْلِحُهُمْ فِي مَعَاشِهِمْ وَمُعَادِهِمْ وَبُعِثُوا جَمِيعًا بِالدَّعْوَةِ إلَى اللَّهِ وَتَعْرِيفِ الطَّرِيقِ الْمُوصِلِ إلَيْهِ وَبَيَانِ حَالِهِمْ بَعْدَ الْوُصُولِ إلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute