وَأَمَّا فِي الِاسْتِحْبَابِ فَهُوَ أَبْلَغُ؛ فَإِنَّ كُلَّ تَنَوُّعٍ يَقَعُ فِي الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ يَقَعُ مِثْلُهُ فِي الْمُسْتَحَبِّ وَيَزْدَادُ الْمُسْتَحَبُّ بِأَنَّ كُلَّ شَخْصٍ إنَّمَا يَسْتَحِبُّ لَهُ مِنْ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَتَقَرَّبُ بِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ فِيهَا: {وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ} مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيَفْعَلُهُ وَيَنْتَفِعُ بِهِ وَالْأَفْضَلُ لَهُ مِنْ الْأَعْمَالِ مَا كَانَ أَنْفَعَ لَهُ وَهَذَا يَتَنَوَّعُ تَنَوُّعًا عَظِيمًا فَأَكْثَرُ الْخَلْقِ يَكُونُ الْمُسْتَحَبُّ لَهُمْ مَا لَيْسَ هُوَ الْأَفْضَلَ مُطْلَقًا؛ إذْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْأَفْضَلِ وَلَا يَصْبِرُونَ عَلَيْهِ إذَا قَدَرُوا عَلَيْهِ وَقَدْ لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ بَلْ قَدْ يَتَضَرَّرُونَ إذَا طَلَبُوهُ مِثْلَ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ فَهْمُ الْعِلْمِ الدَّقِيقِ إذَا طَلَبَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ يُفْسِدُ عَقْلَهُ وَدِينَهُ أَوْ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ الصَّبْرُ عَلَى مَرَارَةِ الْفَقْرِ وَلَا يُمْكِنُهُ الصَّبْرُ عَلَى حَلَاوَةِ الْغِنَى أَوْ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ فِتْنَةِ الْوِلَايَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَالصَّبْرِ عَلَى حُقُوقِهَا. وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ {إنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إلَّا الْفَقْرُ وَلَوْ أَغْنَيْته لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إلَّا الْغِنَى وَلَوْ أَفْقَرْته لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ} {وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي ذَرٍّ لَمَّا سَأَلَهُ الْإِمَارَةَ: يَا أَبَا ذَرٍّ إنِّي أَرَاك ضَعِيفًا وَإِنِّي أُحِبُّ لَك مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي لَا تَأَمَّرَن عَلَى اثْنَيْنِ وَلَا تَوَلَّيَن مَالَ يَتِيمٍ} . وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ {قَالَ لِلْعَبَّاسِ عَمِّهِ: نَفْسٌ تُنْجِيهَا خَيْرٌ مِنْ إمَارَةٍ لَا تُحْصِيهَا} وَلِهَذَا إذَا قُلْنَا: هَذَا الْعَمَلُ أَفْضَلُ فَهَذَا قَوْلٌ مُطْلَقٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute