للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عِلْمٌ تَابِعٌ انْفِعَالِيٌّ. وَعِلْمُنَا بِمَا يَقِفُ عَلَى عِلْمِنَا مِثْلَ مَا نُرِيدُهُ مِنْ أَفْعَالِنَا عِلْمٌ فِعْلِيٌّ مَتْبُوعٌ وَهُوَ سَبَبٌ لِوُجُودِ الْمَعْلُومِ. وَكَذَلِكَ عِلْمُ اللَّهِ بِنَفْسِهِ الْمُقَدَّسَةِ تَابِعٌ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِيهَا وَأَمَّا عِلْمُهُ بِمَخْلُوقَاتِهِ فَهُوَ مَتْبُوعٌ وَبِهِ خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} فَإِنَّ الْإِرَادَةَ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْعِلْمِ فِي كُلِّ مُرِيدٍ كَمَا أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْحَيَاةِ فَلَا إرَادَةَ إلَّا بِعِلْمِ وَلَا إرَادَةَ وَعِلْمَ إلَّا بِحَيَاةِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: كُلُّهُ عِلْمٌ فَهُوَ تَابِعٌ لِلْمَعْلُومِ مُطَابِقٌ سَوَاءٌ كَانَ سَبَبًا فِي وُجُودِ الْمَعْلُومِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَيَكُونُ إطْلَاقُ الْمُتَكَلِّمِينَ أَحْسَنَ وَأَصْوَبَ مِنْ إطْلَاقِ الْمُتَفَلْسِفَةِ: أَنَّ كُلَّ عِلْمٍ فَهُوَ فِعْلِيٌّ مَتْبُوعٌ. وَمَا أَظُنُّ الْعُقَلَاءَ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ إلَّا يَقْصِدُونَ مَعْنًى صَحِيحًا وَهُوَ أَنْ يُشِيرُوا إلَى مَا تَصَوَّرُوهُ فَيَنْظُرُ هَؤُلَاءِ فِي أَنَّ الْعِلْمَ تَابِعٌ لِمَعْلُومِهِ مُطَابِقٌ لَهُ وَيُشِيرُ هَؤُلَاءِ إلَى مَا فِي حُسْنِ الْعِلْمِ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ أَنَّهُ قَدْ يُؤَثِّرُ فِي الْمَعْلُومِ وَغَيْرِهِ وَيَكُونُ سَبَبًا لَهُ وَأَنَّ وُجُودَ الْكَائِنَاتِ كَانَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَعِلْمِ الْإِنْسَانِ بِمَا هُوَ حَقٌّ أَوْ بَاطِلٌ؛ وَهُدًى أَوْ ضَلَالٌ وَرَشَادٌ أَوْ غَيٌّ؛ وَصِدْقٌ أَوْ كَذِبٌ؛ وَصَلَاحٌ أَوْ فَسَادٌ مِنْ اعْتِقَادَاتِهِ وَإِرَادَاتِهِ وَأَقْوَالِهِ وَأَعْمَالِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْوَصْفَانِ بَلْ غَالِبُ الْعِلْمِ أَوْ كُلُّهُ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْأَمْرَانِ. وَلِهَذَا كَانَ الْإِيمَانُ قَوْلًا وَعَمَلًا قَوْلُ الْقَلْبِ وَعَمَلُهُ وَقَوْلُ الْجَسَدِ