للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ فَعَلَيْهِ اجْتِنَابُهُ فَالْحُكْمُ فِيهِ يَتْبَعُ الِاعْتِقَادَ. قَالُوا: وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمُكَلَّفِينَ فِي اجْتِهَادَاتِهِمْ وَغَيْرِ اجْتِهَادَاتِهِمْ بِدَلِيلِ اتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ الِاجْتِهَادَ وَالِاعْتِقَادَ يُؤَثِّرُ فِي رَفْعِ الْإِثْمِ وَالْعِقَابِ كَمَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ وَأَنَّ الْوُجُوبَ وَالتَّحْرِيمَ يَخْتَلِفُ بِالْإِقَامَةِ وَالسَّفَرِ وَالطَّهَارَةِ وَالْحَيْضِ وَالْعَجْزِ وَالْقُدْرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيَجُوزُ أَنْ تَخْتَلِفَ الْأَحْكَامُ بِاخْتِلَافِ الِاعْتِقَادَاتِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ مَا اعْتَقَدَهُ. هَذَا مُلَخَّصُ قَوْلِهِمْ. وَأَمَّا السَّلَفُ وَالْفُقَهَاءُ وَالصُّوفِيَّةُ وَالْعَامَّةُ وَجُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ فَعَلَى إنْكَارِ هَذَا الْقَوْلِ وَأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِلْعَقْلِ الصَّرِيحِ حَتَّى قَالَ أَبُو إسْحَاقَ الإسفراييني وَغَيْرِهِ هَذَا الْمَذْهَبُ أَوَّلُهُ سَفْسَطَةٌ وَآخِرُهُ زَنْدَقَةٌ يَعْنِي: أَنَّ السَّفْسَطَةَ جَعْلُ الْحَقَائِقِ تَتْبَعُ الْعَقَائِدَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. فَمَنْ قَالَ: إنَّ الْإِيجَابَ وَالتَّحْرِيمَ يَتْبَعُ الِاعْتِقَادَاتِ فَقَدْ سَفْسَطَ فِي الْأَحْكَامِ الْعَمَلِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَفْسِطًا فِي الْأَحْكَامِ الْعَيْنِيَّةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَنَّ عَاقِلًا يُسَفْسِطُ فِي كُلِّ شَيْءٍ لَا خَطَأً وَلَا عَمْدًا لَا ضَلَالًا وَلَا عِنَادًا لَا جَهْلًا وَلَا تَجَاهُلًا وَأَمَّا كَوْنُ آخِرِهِ زَنْدَقَةً فَلِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالْإِيجَابَ وَالتَّحْرِيمَ وَالْوَعِيدَ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَيَبْقَى الْإِنْسَانُ إنْ شَاءَ أَنْ يُوجِبَ وَإِنْ شَاءَ