للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نَفْسِهَا مَوْجُودَةٌ بِدُونِ اعْتِقَادِهِ لَا أَنَّهُ يَطْلُبُ بِاعْتِقَادِهِ أَنْ يَثْبُتَ لِلْأَمْرِ وَالْفِعْلِ صِفَةٌ لَمْ تَكُنْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ؛ إذْ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ غَرَضٌ فِي أَنْ يُثْبِتَ لِلْأَفْعَالِ أَحْكَامًا بِاعْتِقَادِهِ وَلَا أَنْ يَشْرَعَ دِينًا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ. وَإِنَّمَا مَطْلُوبُهُ أَنْ يَعْتَقِدَ حُكْمَ اللَّهِ وَدِينِهِ وَلَا لَهُ مَقْصُودٌ أَنْ يَجِيءَ إلَى الْأَفْعَالِ الْمُتَسَاوِيَةِ فِي ذَوَاتِهَا وَفِي أَمْرِ اللَّهِ فَيَعْتَقِدُ فِي أَحَدِهَا الْوُجُوبَ عَلَى نَفْسِهِ وَفِي الْآخَرِ التَّحْرِيمَ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ تَخْتَصُّ بِهِ الْأَفْعَالُ. فَهَذَا مَوْضِعٌ يَنْبَغِي تَدَبُّرُهُ. فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ الطَّالِبَ لِحُكْمِ اللَّهِ إذَا عَلِمَ أَنَّ تِلْكَ الْأَفْعَالَ عِنْدَ اللَّهِ سَوَاءٌ لَمْ يُمَيِّزْ بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ بِأَمْرِ وَلَا نَهْيٍ وَهِيَ فِي أَنْفُسِهَا سَوَاءٌ لَمْ يُمَيِّزْ بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ بِحُسْنِ وَلَا سُوءٍ وَلَا مَصْلَحَةٍ وَلَا مَفْسَدَةٍ فَإِنَّ هَذَا الِاعْتِقَادَ مِنْهُ مُوجِبٌ لِاسْتِوَائِهَا وَتَمَاثُلِهَا فَاعْتِقَادُهُ بَعْدَ هَذَا أَنَّ هَذَا وَاجِبٌ يُذَمُّ تَارِكُهُ وَهَذَا حَرَامٌ يُعَاقَبُ فَاعِلُهُ تَنَاقُضٌ فِي الْعَقْلِ وَسَفْسَطَةٌ وَكُفْرٌ فِي الدِّينِ وَزَنْدَقَةٌ. أَمَا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ اعْتِقَادَ التَّسَاوِي وَالتَّمَاثُلِ يُنَافِي اعْتِقَادَ الرُّجْحَانِ وَالتَّفْضِيلِ فَضْلًا عَنْ وُجُوبِ هَذَا وَتَحْرِيمِ هَذَا فَكَيْفَ يَجْمَعُ الْعَاقِلُ بَيْنَ الِاعْتِقَادَيْنِ الْمُتَنَاقِضَيْنِ؟ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَخْرَقَ كَافِرًا فَيَقُولُ: أَنَا أُوجِبُ هَذَا وَأُحَرِّمُ هَذَا بِلَا أَمْرٍ مِنْ اللَّهِ وَلَا مُرَجِّحٍ لِأَحَدِهِمَا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ فَإِذَا فَعَلَ هَذَا كَانَ شَارِعًا مِنْ الدِّينِ لِمَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَهُوَ مَعَ هَذَا دِينٌ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالْعَقْلِ حَيْثُ جَعَلَ الْأَفْعَالَ الْمُسْتَوِيَةَ