وَالْوَرَعُ وَبَعْضُهُمْ أَشَدُّ مِنْ بَعْضٍ فَكُلُّ مَا كَانَ الرَّجُلُ أَتْقَى لِلَّهِ وَأَخْشَى لَهُ كَانَ ذَلِكَ أَقْوَى فِيهِ. وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مِنْ أَتْقَى الْأُمَّةِ وَأَعْظَمِهِمْ زُهْدًا وَوَرَعًا بَلْ هُوَ فِي ذَلِكَ سَابِقٌ وَمُقْدِمٌ كَمَا تَشْهَدُ بِهِ سِيرَتُهُ وَسِيرَةُ غَيْرِهِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ. وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ لَمَّا رَأَوْا نَصَّهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبَاقِلَاءِ الْخَضْرَاءِ ثُمَّ إنَّهُ اشْتَرَاهَا فِي مَرَضِهِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ: هَلْ يَخْرُجُ لَهُ فِي ذَلِكَ مَذْهَبٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَقَدْ ذَكَرُوا مِثْلَ هَذَا فِي إقَامَةِ جُمُعَتَيْنِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ لَمَّا دَخَلَ بَغْدَادَ فَإِذَا قُلْنَا: هُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَد فَهَلْ يُقَالُ فِيمَا فَعَلَهُ: إنَّهُ كَانَ أَفْضَلَ عِنْدِهِ مَنْ غَيْرِهِ؟ هَذَا أَضْعَفُ مِنْ الْأَوَّلِ فَإِنَّ فِعْلَهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ فِيمَا لَيْسَ مِنْ تَعَبُّدَاتِهِ وَإِذَا كَانَ مُتَعَبِّدًا بِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُ أَوْ وَاجِبٌ. أَمَّا كَوْنُهُ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ عِنْدَهُ فَيَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ وَكَثِيرًا مَا يَعْدِلُ الرَّجُلُ عَنْ الْأَفْضَلِ إلَى الْفَاضِلِ لِمَا فِي الْأَفْضَلِ مِنْ الْمَوَانِعِ وَمَا يَفْتَقِرُ إلَيْهِ مِنْ الشُّرُوطِ؛ أَوْ لِعَدَمِ الْبَاعِثِ وَإِذَا كَانَ فِعْلُهُ جَائِزًا أَوْ مُسْتَحَبًّا أَوْ أَفْضَلَ فَإِنَّهُ لَا عُمُومَ لَهُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ بَلْ لَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ إلَّا إلَى مَا هُوَ مِثْلُهُ فَإِنَّ هَذَا شَأْنُ جَمِيعِ الْأَفْعَالِ لَا عُمُومَ لَهَا حَتَّى فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا عُمُومَ لَهُ. ثُمَّ يُقَالُ: فِعْلُ الْأَئِمَّةِ وَتَرْكِهِمْ يَنْقَسِمُ كَمَا تَنْقَسِمُ أَفْعَالُ النَّبِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute