الْحَقَّ وَأَنَّهُمْ بَيَّنُوهُ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ أَعْلَمُ الْخَلْقِ بِالْحَقِّ فَهُمْ الصَّادِقُونَ الْمَصْدُوقُونَ عَلِمُوا الْحَقَّ وَبَيَّنُوهُ فَمَنْ قَالَ: إنَّهُمْ كَذَبُوا لِلْمَصْلَحَةِ فَهُوَ مِنْ إخْوَانِ الْمُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ لَكِنَّ هَذَا لَمَّا رَأَى مَا عَمِلُوا مِنْ الْخَيْرِ وَالْعَدْلِ فِي الْعَالَمِ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَقُولَ: كَذَبُوا لِطَلَبِ الْعُلُوِّ وَالْفَسَادِ بَلْ قَالَ: كَذَبُوا لِمَصْلَحَةِ الْخَلْقِ. كَمَا يُحْكَى عَنْ ابْنِ التومرت وَأَمْثَالِهِ. وَلِهَذَا كَانَ هَؤُلَاءِ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ النَّبِيِّ وَالسَّاحِرِ إلَّا مِنْ جِهَةِ حُسْنِ الْقَصْدِ فَإِنَّ النَّبِيَّ يَقْصِدُ الْخَيْرَ وَالسَّاحِرَ يَقْصِدُ الشَّرَّ وَإِلَّا فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا خَوَارِقُ هِيَ عِنْدَهُمْ قُوَى نَفْسَانِيَّةٌ وَكِلَاهُمَا عِنْدَهُمْ يَكْذِبُ؛ لَكِنَّ السَّاحِرَ يَكْذِبُ لِلْعُلُوِّ وَالْفَسَادِ وَالنَّبِيُّ عِنْدَهُمْ يَكْذِبُ لِلْمَصْلَحَةِ؛ إذْ لَمْ يُمْكِنْهُ إقَامَةُ الْعَدْلِ فِيهِمْ إلَّا بِنَوْعٍ مِنْ الْكَذِبِ. وَاَلَّذِينَ عَلِمُوا أَنَّ النُّبُوَّةَ تُنَاقِضُ الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ وَأَنَّ النَّبِيَّ لَا يَكُونُ إلَّا صَادِقًا مِنْ هَؤُلَاءِ قَالُوا: إنَّهُمْ لَمْ يُبَيِّنُوا الْحَقَّ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا: سَكَتُوا عَنْ بَيَانِهِ لَكَانَ أَقَلَّ إلْحَادًا لَكِنْ قَالُوا: إنَّهُمْ أَخْبَرُوا بِمَا يَظْهَرُ مِنْهُ لِلنَّاسِ الْبَاطِلُ وَلَمْ يُبَيِّنُوا لَهُمْ الْحَقَّ فَعِنْدَهُمْ أَنَّهُمْ جَمَعُوا بَيْنَ شَيْئَيْنِ: بَيْنَ كِتْمَانِ حَقٍّ لَمْ يُبَيِّنُوهُ؛ وَبَيْنَ إظْهَارِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْبَاطِلِ وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَقْصِدُوا الْبَاطِلَ فَجَعَلُوا كَلَامَهُمْ مِنْ جِنْسِ الْمَعَارِيضِ الَّتِي يَعْنِي بِهَا الْمُتَكَلِّمُ مَعْنًى صَحِيحًا لَكِنْ لَا يَفْهَمُ الْمُسْتَمِعُ مِنْهَا إلَّا الْبَاطِلَ. وَإِذَا قَالُوا: قَصَدُوا التَّعْرِيضَ كَانَ أَقَلَّ إلْحَادًا مِمَّنْ قَالَ: إنَّهُمْ قَصَدُوا الْكَذِبَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute