صَلِّ وَلَا تُصَلِّ فِي هَذِهِ الْبُقْعَةِ وَخِطْ هَذَا الثَّوْبَ وَلَا تَخِطْهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ فَإِذَا صَلَّى فِيهِ وَخَاطَ فِيهِ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ كَمَا أُمِرَ لَكِنْ هَلْ يُقَالُ: أَتَى بِبَعْضِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَوْ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ؟ وَهُوَ مُطْلَقُ الصَّلَاةِ وَالْخِيَاطَةِ دُونَ وَصْفِهِ أَوْ مَعَ مَنْهِيٍّ عَنْهُ بِحَيْثُ يُثَابُ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ وَإِنْ لَمْ يُسْقِطْ الْوَاجِبَ أَوْ عُوقِبَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ؟ قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ وَبَيَّنْت أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ وَهِيَ تُشْبِهُ مَسْأَلَةَ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ فِيهِ بِعَدَمِ الْفَسَادِ. وَأَنَّ الْإِجْزَاءَ وَالْإِثَابَةَ يَجْتَمِعَانِ وَيَفْتَرِقَانِ فَالْإِجْزَاءُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ عُهْدَةِ الْأَمْرِ وَهُوَ السَّلَامَةُ مِنْ ذَمِّ الرَّبِّ أَوْ عِقَابِهِ. وَالثَّوَابُ الْجَزَاءُ عَلَى الطَّاعَةِ. وَلَيْسَ الثَّوَابُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ مُجَرَّدِ الِامْتِثَالِ بِخِلَافِ الْإِجْزَاءِ؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي إجْزَاءَ الْمَأْمُورِ بِهِ لَكِنْ هُمَا مُجْتَمَعَانِ فِي الشَّرْعِ؛ إذْ قَدْ اسْتَقَرَّ فِيهِ أَنَّ الْمُطِيعَ مُثَابٌ وَالْعَاصِيَ مُعَاقَبٌ. وَقَدْ يَفْتَرِقَانِ فَيَكُونُ الْفِعْلُ مُجْزِئًا لَا ثَوَابَ فِيهِ إذَا قَارَنَهُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ مَا يُقَابِلُ الثَّوَابَ كَمَا قِيلَ: {رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْعَطَشُ وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ} فَإِنَّ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فِي الصِّيَامِ أَوْجَبَ إثْمًا يُقَابِلُ ثَوَابَ الصَّوْمِ وَقَدْ اشْتَمَلَ الصَّوْمُ عَلَى الِامْتِثَالِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَالْعَمَلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَبَرِئَتْ الذِّمَّةُ لِلِامْتِثَالِ وَوَقَعَ الْحِرْمَانُ لِلْمَعْصِيَةِ. وَقَدْ يَكُونُ مُثَابًا عَلَيْهِ غَيْرَ مُجْزِئٍ إذَا فَعَلَهُ نَاقِصًا عَنْ الشَّرَائِطِ وَالْأَرْكَانِ فَيُثَابُ عَلَى مَا فَعَلَ وَلَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ إلَّا بِفِعْلِهِ كَامِلًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute