وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: تَكْمِلَةٌ وَتَتْمِيمٌ لِهَذَا الْقِسْمِ الثَّانِي. فَإِنَّ الْأَوَّلَ كَالْمُقَدِّمَاتِ وَالثَّالِثَ كَالْمُعَقِّبَاتِ وَأَمَّا الثَّانِي: فَهُوَ الْمَقْصُودُ بِخَلْقِ النَّاسِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ} وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّعَبُّدَ الْمُطْلَقَ وَالتَّأَلُّهَ الْمُطْلَقَ يَدْخُلُ فِيهِ الْإِشْرَاكُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ كَمَا عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ وَكَانَ التَّأَلُّهُ الْمُطْلَقُ هُوَ دِينُ الصَّابِئَةِ وَدِينُ التَّتَارِ وَنَحْوِهِمْ مِثْلَ التُّرْكِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَحْدَهُ تَارَةً وَيَبْنُونَ لَهُ هَيْكَلًا يُسَمُّونَهُ هَيْكَلَ الْعِلَّةِ الْأُولَى وَيَعْبُدُونَ مَا سِوَاهُ تَارَةً مِنْ الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ وَالثَّوَابِتِ وَغَيْرِهَا بِخِلَافِ الْمُشْرِكَةِ الْمَحْضَةِ فَإِنَّهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَحْدَهُ قَطُّ فَلَا يَعْبُدُونَهُ إلَّا بِالْإِشْرَاكِ بِغَيْرِهِ مِنْ شُرَكَائِهِمْ وَشُفَعَائِهِمْ. وَالصَّابِئُونَ: مِنْهُمْ مَنْ يَعْبُدُهُ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ وَمِنْهُمْ مَنْ يُشْرِكُ بِهِ وَالْحُنَفَاءُ كُلُّهُمْ يُخْلِصُ لَهُ الدِّينَ؛ فَلِهَذَا صَارَ الصَّابِئُونَ فِيهِمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَعْمَلُ صَالِحًا؛ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ وَالْمَجُوس وَلِهَذَا كَانَ رَأْسُ دِينِ الْإِسْلَامِ الَّذِي بُعِثَ بِهِ خَاتَمُ الْمُرْسَلِينَ كَلِمَتَيْنِ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ تُثْبِتُ التَّأَلُّهَ الْحَقَّ الْخَالِصَ وَتَنْفِي مَا سِوَاهُ مِنْ تَأَلُّهِ الْمُشْرِكِينَ أَوْ تَأَلُّهٍ مُطْلَقٍ قَدْ يَدْخُلُ فِيهِ تَأَلُّهُ الْمُشْرِكِينَ فَأَخْرَجَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ كُلَّ تَأَلُّهٍ يُنَافِي الْمِلِّي مِنْ التَّأَلُّهِ الْمُخْتَصِّ بِالْكُفَّارِ أَوْ الْمُطْلَقِ الْمُشْتَرَكِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute