فَهَذَا الْكَلَامُ الَّذِي خَاطَبَ اللَّهُ بِهِ آدَمَ وَغَيْرَهُ لَمَّا أهبطهم قَدْ تَضَمَّنَ أَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ اتِّبَاعَ هُدَاهُ الْمُنَزَّلِ وَهُوَ الْوَحْيُ الْوَارِدُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ وَتَضَمَّنَ أَنَّ مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُكَذِّبْ بِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ وَإِنَّ مَعِيشَتَهُ تَكُونُ ضَنْكًا فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ وَفِي الْبَرْزَخِ وَالْآخِرَةِ وَهِيَ الْمَضْنُوكَةُ النَّكِدَةُ الْمَحْشُوَّةُ بِأَنْوَاعِ الْهُمُومِ وَالْغُمُومِ وَالْأَحْزَانِ كَمَا أَنَّ الْحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ هِيَ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا. فَمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يُشْرِكُ بِرَبِّهِ فَإِنَّ الرُّسُلَ جَمِيعَهُمْ أَمَرُوا بِالتَّوْحِيدِ وَأُمِرُوا بِهِ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلَّا نُوحِي إلَيْهِ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} فَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُوحِيَ بِالتَّوْحِيدِ إلَى كُلِّ رَسُولٍ وَقَالَ تَعَالَى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} فَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ الشِّرْكَ قَطُّ فَهَذَانِ النَّصَّانِ قَدْ دَلَّا عَلَى أَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّوْحِيدِ لِكُلِّ رَسُولٍ وَلَمْ يَأْمُرْ بِالْإِشْرَاكِ قَطُّ وَقَدْ أَمَرَ آدَمَ وَبَنِيهِ مِنْ حِينِ أُهْبِطَ بِاتِّبَاعِ هُدَاهُ الَّذِي يُوحِيهِ إلَى الْأَنْبِيَاءِ فَثَبَتَ أَنَّ عِلَّةَ الشِّرْكِ كَانَ مِنْ تَرْكِ اتِّبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ فِيمَا أَمَرُوا بِهِ مِنْ التَّوْحِيدِ وَالدِّينِ لَا أَنَّ الشِّرْكَ كَانَ عِلَّةً لِلْكُفْرِ بِالرُّسُلِ فَإِنَّ الْإِشْرَاكَ وَالْكُفْرَ بِالرُّسُلِ مُتَلَازِمَانِ فِي الْوَاقِعِ فَهَذَا فِي الْكُفَّارِ بِالنُّبُوَّاتِ الْمُشْرِكِينَ. وَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ فَإِنَّ الْيَهُودَ لَمْ يُؤْتُوا مِنْ جِهَةِ مَا أَقَرُّوا بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute