للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خَلَقَ اللَّهُ لَهُ الْخَلْقَ هُوَ: أَمْرٌ وُجُودِيٌّ مِنْ بَابِ الْمَأْمُورِ بِهِ ثُمَّ الْأَمْرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا هُوَ كَمَالُ مَا خُلِقَ لَهُ. وَأَمَّا الْمَنْهِيُّ عَنْهُ: فَإِمَّا مَانِعٌ مِنْ أَصْلِ مَا خُلِقَ لَهُ وَإِمَّا مِنْ كَمَالِ مَا خُلِقَ لَهُ نُهُوا عَنْ الْإِشْرَاكِ لِأَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الْأَصْلِ وَهُوَ ظُلْمٌ فِي الرُّبُوبِيَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} وَمُنِعُوا عَنْ ظُلْمِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فِي النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَبْضَاعِ وَالْأَعْرَاضِ لِأَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ كَمَالِ مَا خُلِقَ لَهُ. فَظَهَرَ أَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ بِهِ أَصْلٌ وَهُوَ الْمَقْصُودُ وَأَنَّ تَرْكَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَرْعٌ وَهُوَ التَّابِعُ. وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} لِأَنَّ الشِّرْكَ مَنْعُ الْأَصْلِ فَلَمْ يَكُ فِي النَّفْسِ اسْتِعْدَادٌ لِلْفَلَاحِ فِي الْآخِرَةِ بِخِلَافِ مَا دُونِهِ فَإِنَّ مَعَ الْمَغْفُورِ لَهُ أَصْلَ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ السَّعَادَةِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي عَشَرَ أَنَّ مَقْصُودَ النَّهْيِ تَرْكُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ عَدَمُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَالْعَدَمُ لَا خَيْرَ فِيهِ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ حِفْظَ مَوْجُودٍ وَإِلَّا فَلَا خَيْرَ فِي لَا شَيْءَ وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالْعَقْلِ وَالْحِسِّ لَكِنْ مِنْ الْأَشْيَاءِ مَا يَكُونُ وَجُودُهُ مُضِرًّا بِغَيْرِهِ فَيُطْلَبُ عَدَمُهُ لِصَلَاحِ الْغَيْرِ كَمَا يُطْلَبُ عَدَمُ الْقَتْلِ لِبَقَاءِ النَّفْسِ