للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَقْدُورًا بِفِعْلِ ضِدِّهِ فَيَكُونُ فِعْلُ الضِّدِّ طَرِيقًا إلَى مَطْلُوبِ النَّاهِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَفْسَ الْمَقْصُودِ وَذَلِكَ أَنَّ النَّاهِيَ إنَّمَا نَهَى عَنْ الشَّيْءِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَسَادِ فَالْمَقْصُودُ عَدَمُهُ كَمَا يَنْهَى عَنْ قَتْلِ النَّفْسِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَإِنَّمَا نَهَى لِابْتِلَاءِ الْمُكَلَّفِ وَامْتِحَانِهِ كَمَا نَهَى قَوْمُ طَالُوتَ عَنْ الشُّرْبِ إلَّا بِمَلْءِ الْكَفِّ فَالْمَقْصُودُ هُنَا طَاعَتُهُمْ وَانْقِيَادُهُمْ وَهُوَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ وَإِذَا كَانَ وُجُودِيًّا فَهُوَ الطَّاعَةُ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسِ فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَصَارَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ تَابِعٌ لِلْمَأْمُورِ بِهِ؛ فَإِنَّ مَقْصُودَهُ إمَّا عَدَمُ مَا يَضُرُّ الْمَأْمُورُ بِهِ أَوْ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَإِذَا كَانَ إمَّا حَاوِيًا لِلْمَأْمُورِ بِهِ؛ أَوْ فَرْعًا مِنْهُ: ثَبَتَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ أَكْمَلُ وَأَشْرَفُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ الْأَوَّلُ.

الْوَجْهُ الْخَامِسَ عَشَرَ أَنَّ الْأَمْرَ أَصْلٌ وَالنَّهْيَ فَرْعٌ؛ فَإِنَّ النَّهْيَ نَوْعٌ مِنْ الْأَمْرِ؛ إذْ الْأَمْرُ هُوَ الطَّلَبُ وَالِاسْتِدْعَاءُ وَالِاقْتِضَاءُ وَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ طَلَبُ الْفِعْلِ وَطَلَبُ التَّرْكِ لَكِنْ خُصَّ النَّهْيُ بِاسْمِ خَاصٍّ كَمَا جَرَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ أَنَّ الْجِنْسَ إذَا كَانَ لَهُ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا يَتَمَيَّزُ بِصِفَةِ كَمَالٍ أَوْ نَقْصٍ أَفْرَدُوهُ بِاسْمِ وَأَبْقَوْا الِاسْمَ الْعَامَّ عَلَى النَّوْعِ الْآخَرِ كَمَا يُقَالُ: مُسْلِمٌ؛ وَمُنَافِقٌ. وَيُقَالُ نَبِيٌّ وَرَسُولٌ.