للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَالْحَسَنَاتُ إمَّا ضِدُّ السَّيِّئَاتِ؛ وَإِمَّا مَانِعَةٌ مِنْهَا فَهِيَ إمَّا ضِدٌّ وَإِمَّا صَدٌّ. وَإِنَّمَا تَكُونُ السَّيِّئَاتُ عِنْدَ ضَعْفِ الْحَسَنَاتِ الْمَانِعَةِ مِنْهَا كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ؛ وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ؛ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ} " فَإِنَّ كَمَالَ الْإِيمَانِ وَحَقِيقَتَهُ يَمْنَعُ ذَلِكَ فَلَا يَقَعُ إلَّا عِنْدَ نَوْعِ ضَعْفٍ فِي الْإِيمَانِ يُزِيلُ كَمَالِهِ. وَأَمَّا تَرْكُ السَّيِّئَاتِ: فَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ مُجَرَّدَ عَدَمِهَا فَالْعَدَمُ الْمَحْضُ لَا يُنَافِي شَيْئًا وَلَا يَقْتَضِيهِ بَلْ الْخَالِي الْقَلْبُ مُتَعَرِّضٌ لِلسَّيِّئَاتِ أَكْثَرَ مِنْ تَعَرُّضِهِ لِلْحَسَنَاتِ. وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ الِامْتِنَاعُ مِنْ فِعْلِهَا؛ فَهَذَا الِامْتِنَاعُ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ اعْتِقَادِ قُبْحِهَا وَقَصْدِ تَرْكِهَا وَهَذَا الِاعْتِقَادُ وَالِاقْتِصَادُ حَسَنَتَانِ مَأْمُورٌ بِهِمَا وَهُمَا مِنْ أَعْظَمِ الْحَسَنَاتِ. فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ وُجُودَ الْحَسَنَاتِ يَمْنَعُ السَّيِّئَاتِ وَأَنَّ عَدَمَ السَّيِّئَاتِ لَا يُوجِبُ الْحَسَنَاتِ فَصَارَ فِي وُجُودِ الْحَسَنَاتِ الْأَمْرَانِ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ عَدَمِ السَّيِّئَاتِ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا أَمْرٌ وَاحِدٌ وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ.