قُلْت: أَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْقَرْيَةِ؛ فَالْقَرْيَةُ وَالنَّهْرُ وَنَحْوُ ذَلِكَ اسْمٌ لِلْحَالِّ وَالْمَحَلِّ فَهُوَ اسْمٌ يَتَنَاوَلُ الْمَسَاكِنَ وَسُكَّانَهَا ثُمَّ الْحُكْمُ قَدْ يَعُودُ إلَى السَّاكِنِ؛ وَقَدْ يَعُودُ إلَى الْمَسَاكِنِ؛ وَقَدْ يَعُودُ إلَيْهِمَا كَاسْمِ الْإِنْسَانِ؛ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلرُّوحِ وَالْجَسَدِ؛ وَقَدْ يَعُودُ الْحُكْمُ عَلَى أَحَدِهِمَا كَذَلِكَ الْكَلَامُ اسْمٌ لِلَّفْظِ وَالْمَعْنَى وَقَدْ يَعُودُ الْحُكْمُ إلَى أَحَدِهِمَا. وَأَمَّا الِاشْتِقَاقُ فَهَذَا الْمَوْضِعُ غَلِطَ فِيهِ طَائِفَة مِنْ الْعُلَمَاءِ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ قَرَأَ بِالْهَمْزَةِ وَقَرَى يَقْرِي بِالْيَاءِ؛ فَإِنَّ الَّذِي بِمَعْنَى الْجَمْعِ هُوَ قَرَى يَقْرِي بِلَا هَمْزَةٍ وَمِنْهُ الْقَرْيَةُ وَالْقِرَاءَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَمِنْهُ قَرَيْت الضَّيْفَ أَقْرِيهِ أَيْ: جَمَعْته وَضَمَمْته إلَيْك وَقَرَيْت الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ جَمَعْته وتقريت الْمِيَاهَ: تَتَبَّعْتهَا وقروت الْبِلَادَ وَقَرَيْتهَا وَاسْتَقْرَيْتهَا إذَا تَتَبَّعْتهَا تَخْرُجُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَمِنْهُ الِاسْتِقْرَاءُ؛ وَهُوَ: تَتَبُّعُ الشَّيْءِ أَجْمَعَهُ وَهَذَا غَيْرُ قَوْلِك: اسْتَقْرَأْته الْقُرْآنَ؛ فَإِنَّ ذَاكَ مِنْ الْمَهْمُوزِ فَالْقَرْيَةُ هِيَ الْمَكَانُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ النَّاسُ وَالْحُكْمُ يَعُودُ إلَى هَذَا تَارَةً وَإِلَى هَذَا أُخْرَى. وَأَمَّا قَرَأَ بِالْهَمْزِ فَمَعْنَاهُ الْإِظْهَارُ وَالْبَيَانُ وَالْقُرْءُ وَالْقِرَاءَةُ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: مَا قَرَأْت النَّاقَةَ سَلًّا جَزُورٌ قَطُّ؛ أَيْ: مَا أَظْهَرَتْهُ وَأَخْرَجَتْهُ مِنْ رَحِمِهَا وَالْقَارِي: هُوَ الَّذِي يُظْهِرُ الْقُرْآنَ وَيُخْرِجُهُ قَالَ تَعَالَى: {إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} فَفَرَّقَ بَيْنَ الْجَمْعِ وَالْقُرْآنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute