للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصَّحَابَةَ الْأَكَابِرَ الَّذِينَ أَدْرَكُوا النَّبِيَّ لَوْ كَانُوا يَتَوَضَّؤُونَ مَنْ مَسِّ نِسَائِهِمْ مُطْلَقًا؛ وَلَوْ كَانَ النَّبِيُّ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ: لَكَانَ هَذَا مِمَّا يَعْلَمُهُ بَعْضُ الصِّغَارِ؛ كَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَبَعْضُ التَّابِعِينَ فَإِذَا لَمْ يَنْقُلْ ذَلِكَ صَاحِبٌ وَلَا تَابِعٌ: كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بَيْنَهُمْ وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ الْقَوْمُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ وَالْآيَةُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا الْجِمَاعَ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ كَانَ أُرِيدَ بِهَا مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْجِمَاعِ فَيُقَالُ: حَيْثُ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ مَسَّ النِّسَاءِ وَمُبَاشَرَتَهُنَّ وَنَحْوَ ذَلِكَ: فَلَا يُرِيدُ بِهِ إلَّا مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ وَاللَّذَّةِ وَأَمَّا اللَّمْسُ الْعَارِي عَنْ ذَلِكَ فَلَا يُعَلِّقُ اللَّهُ بِهِ حُكْمًا مِنْ الْأَحْكَامِ أَصْلًا وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} فَنَهَى الْعَاكِفَ عَنْ مُبَاشَرَةِ النِّسَاءِ مَعَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ يَعْلَمُونَ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَوْ مَسَّ امْرَأَتَهُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ لَمْ يَحْرُمْ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ {: أَنَّهُ كَانَ يُدْنِي رَأْسَهُ إلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَتُرَجِّلُهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ} وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ مَظِنَّةُ مَسِّهِ لَهَا وَمَسِّهَا لَهُ. وَأَيْضًا فَالْإِحْرَامُ أَشَدُّ مِنْ الِاعْتِكَافِ وَلَوْ مَسَّتْهُ الْمَرْأَةُ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ لَمْ يَأْثَمْ بِذَلِكَ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ دَمٌ. وَهَذَا الْوَجْهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: مِنْ جِهَةِ ظَاهِرِ الْخِطَابِ؛ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَالِاعْتِبَارِ؛ فَإِنَّ خِطَابَ اللَّهِ تَعَالَى