أَنَّ التَّعْيِيرَ لِأَجْلِهِ وَلِكَوْنِهِ قَاضِيَ الْمَذْهَبِ وَلَمْ يَنْتَصِرْ لِأَصْحَابِهِ وَأَنَّ الشَّيْخَ كَمَالَ الدِّينِ قَصْدُهُ ذَلِكَ. فَغَضِبَ قَاضِي الْقُضَاةِ نَجْمُ الدِّينِ. وَقَالَ: اشْهَدُوا عَلَيَّ أَنِّي عَزَلْت نَفْسِي وَأَخَذَ يَذْكُرُ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّقْدِيمَ وَالِاسْتِحْقَاقَ وَعِفَّتَهُ عَنْ التَّكَلُّمِ فِي أَعْرَاضِ الْجَمَاعَةِ وَيَسْتَشْهِدُ بِنَائِبِ السُّلْطَانِ فِي ذَلِكَ. وَقُلْت لَهُ كَلَامًا مَضْمُونُهُ تَعْظِيمُهُ وَاسْتِحْقَاقُهُ، لِدَوَامِ الْمُبَاشَرَةِ فِي هَذِهِ الْحَالِ. وَلَمَّا جَاءَتْ مَسْأَلَةُ الْقُرْآنِ: " وَمِنْ الْإِيمَانِ بِهِ الْإِيمَانُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ. غَيْرُ مَخْلُوقٍ مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ " نَازَعَ بَعْضُهُمْ فِي كَوْنِهِ " مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ " وَطَلَبُوا تَفْسِيرَ ذَلِكَ. فَقُلْت: أَمَّا هَذَا الْقَوْلُ: فَهُوَ الْمَأْثُورُ الثَّابِتُ عَنْ السَّلَفِ مِثْلُ مَا نَقَلَهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: " أَدْرَكْت النَّاسَ مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً يَقُولُونَ: اللَّهُ الْخَالِقُ وَمَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ، إلَّا الْقُرْآنُ فَإِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ ". وَقَدْ جَمَعَ غَيْرُ وَاحِدٍ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْآثَارِ عَنْ النَّبِيِّ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَالْحَافِظِ أَبِي الْفَضْلِ بْنِ نَاصِرٍ وَالْحَافِظِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ المقدسي وَأَمَّا مَعْنَاهُ: فَإِنَّ قَوْلَهُمْ: مِنْهُ بَدَأَ. أَيْ هُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَهُ مِنْ لَدُنْهُ لَيْسَ هُوَ كَمَا تَقُولُ الْجَهْمِيَّة: أَنَّهُ خُلِقَ فِي الْهَوَى أَوْ غَيْرِهِ أَوْ بَدَأَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِهِ. وَأَمَّا إلَيْهِ يَعُودُ: فَإِنَّهُ يَسْرِي بِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ مِنْ الْمَصَاحِفِ وَالصُّدُورِ فَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute