للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَدْ جَعَلَ التُّرَابَ يُطَهِّرُ أَسْفَلَ النَّعْلِ وَأَسْفَلَ الذَّيْلِ وَسَمَّاهُ طَهُورًا: فَلَأَنْ يُطَهِّرَ نَفْسَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى. فَالنَّجَاسَةُ إذَا اسْتَحَالَتْ فِي التُّرَابِ فَصَارَتْ تُرَابًا لَمْ يَبْقَ نَجَاسَةً. وَأَيْضًا فَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا إذَا اسْتَحَالَتْ حَقِيقَةُ النَّجَاسَةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ إذَا انْقَلَبَتْ بِفِعْلِ اللَّهِ بِدُونِ قَصْدِ صَاحِبِهَا وَصَارَتْ خَلًّا أَنَّهَا تَطْهُرُ. وَلَهُمْ فِيهَا إذَا قَصَدَ التَّخْلِيلَ نِزَاعٌ وَتَفْصِيلٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ تَخْلِيلَهَا لَا تَطْهُرُ بِحَالِ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِمَا صَحَّ مِنْ نَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَخْلِيلِهَا وَلِأَنَّ حَبْسَهَا مَعْصِيَةٌ وَالطَّهَارَةُ نِعْمَةٌ وَالْمَعْصِيَةُ لَا تَكُونُ سَبَبًا لِلنِّعْمَةِ. وَتَنَازَعُوا فِيمَا إذَا صَارَتْ النَّجَاسَةُ مِلْحًا فِي الْمَلَّاحَةِ أَوْ صَارَتْ رَمَادًا أَوْ صَارَتْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَالصَّدِيدُ تُرَابًا: كَتُرَابِ الْمَقْبَرَةِ فَهَذَا فِيهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَد: أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ طَاهِرٌ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ نَجِسٌ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَالصَّوَابُ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ طَاهِرٌ إذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ أَثَرِ النَّجَاسَةِ لَا طَعْمُهَا وَلَا لَوْنُهَا وَلَا رِيحُهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ الطَّيِّبَاتِ وَحَرَّمَ الْخَبَائِثَ وَذَلِكَ يَتْبَعُ صِفَاتِ الْأَعْيَانِ وَحَقَائِقَهَا