للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَصْلًا. كَمَا أَنَّ الْخَمْرَ إذَا اُسْتُهْلِكَتْ فِي الْمَائِعِ لَمْ يَكُنْ الشَّارِبُ لَهَا شَارِبًا لِلْخَمْرِ وَالْخَمْرَةُ إذَا اسْتَحَالَتْ بِنَفْسِهَا وَصَارَتْ خَلًّا كَانَتْ طَاهِرَةً بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ النَّجَاسَةَ إذَا اسْتَحَالَتْ طَهُرَتْ أَقْوَى. كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَد فَإِنَّ انْقِلَابَ النَّجَاسَةِ مِلْحًا وَرَمَادًا وَنَحْوَ ذَلِكَ هُوَ كَانْقِلَابِهَا مَاءً فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَسْتَحِيلَ رَمَادًا أَوْ مِلْحًا أَوْ تُرَابًا أَوْ مَاءً أَوْ هَوَاءً وَنَحْوَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَبَاحَ لَنَا الطَّيِّبَاتِ. وَهَذِهِ الْأَدْهَانُ وَالْأَلْبَانُ وَالْأَشْرِبَةُ الْحُلْوَةُ وَالْحَامِضَةُ وَغَيْرُهَا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَالْخَبِيثَةِ قَدْ اُسْتُهْلِكَتْ وَاسْتَحَالَتْ فِيهَا فَكَيْفَ يَحْرُمُ الطَّيِّبُ الَّذِي أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ الَّذِي قَالَ: إنَّهُ إذَا خَالَطَهُ الْخَبِيثُ وَاسْتُهْلِكَ فِيهِ وَاسْتَحَالَ قَدْ حَرُمَ؟ وَلَيْسَ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ لَا مِنْ كِتَابٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ وَلَا إجْمَاعٍ وَلَا قِيَاسٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ بِئْرِ بضاعة لَمَّا ذُكِرَ لَهُ أَنَّهَا يُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ فَقَالَ: {الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ} وَقَالَ فِي حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ: {إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ} وَفِي اللَّفْظِ الْآخَرِ: {لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. فَقَوْلُهُ: {لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ} بَيَّنَ أَنَّ تَنْجِيسَهُ بِأَنْ يَحْمِلَ الْخَبَثَ أَيْ بِأَنْ يَكُونَ الْخَبَثُ فِيهِ مَحْمُولًا وَذَلِكَ يُبَيِّنُ أَنَّهُ مَعَ اسْتِحَالَةِ الْخَبَثِ لَا يَنْجُسُ الْمَاءُ.