للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} أَنَّهُ مُخْتَلِطٌ بِالْخَلْقِ فَإِنَّ هَذَا لَا تُوجِبُهُ اللُّغَةُ وَهُوَ خِلَافُ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَخِلَافُ مَا فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْخَلْقَ بَلْ الْقَمَرُ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مِنْ أَصْغَرِ مَخْلُوقَاتِهِ؛ وَهُوَ مَوْضُوعٌ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ مَعَ الْمُسَافِرِ أَيْنَمَا كَانَ.

وَلَمَّا ذَكَرْت: أَنَّ جَمِيعَ أَسْمَاءِ اللَّهِ الَّتِي يُسَمَّى بِهَا الْمَخْلُوقُ - كَلَفْظِ " الْوُجُودِ ": الَّذِي هُوَ مَقُولٌ بِالْحَقِيقَةِ عَلَى الْوَاجِبِ وَالْمُمْكِنِ: تَنَازَعَ كَبِيرَانِ هَلْ هُوَ مَقُولٌ بِالِاشْتِرَاكِ أَوْ بِالتَّوَاطُؤِ؟ فَقَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ مُتَوَاطِئٌ. وَقَالَ آخَرُ هُوَ مُشْتَرَكٌ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّرْكِيبُ. وَقَالَ هَذَا: قَدْ ذَكَرَ فَخْرُ الدِّينِ أَنَّ هَذَا النِّزَاعَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ وُجُودَهُ هَلْ هُوَ عَيْنُ مَاهِيَّتِه أَمْ لَا؟ فَمَنْ قَالَ: إنَّ وُجُودَ كُلِّ شَيْءٍ عَيْنُ مَاهِيَّتِهِ قَالَ: إنَّهُ مَقُولٌ بِالِاشْتِرَاكِ وَمَنْ قَالَ إنَّ وُجُودَهُ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى مَاهِيَّتِهِ قَالَ: إنَّهُ مَقُولٌ بِالتَّوَاطُؤِ فَأَخْذُ الْأَوَّلِ يُرَجِّحُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْوُجُودَ زَائِدٌ عَلَى الْمَاهِيَّةِ لِيَنْصُرَ أَنَّهُ مَقُولٌ بِالتَّوَاطُؤِ فَقَالَ الثَّانِي: مَذْهَبُ الْأَشْعَرِيِّ وَأَهْلِ السُّنَّة أَنَّ وُجُودَهُ عَيْنُ مَاهِيَّتِهِ؛ فَأَنْكَرَ الْأَوَّلُ ذَلِكَ. فَقُلْت: أَمَّا مُتَكَلِّمُو أَهْلِ السُّنَّة فَعِنْدَهُمْ أَنَّ وُجُودَ كُلِّ شَيْءٍ عَيْنُ مَاهِيَّتِه؛ وَأَمَّا الْقَوْلُ الْآخَرُ: فَهُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ: أَنَّ وُجُودَ كُلِّ شَيْءٍ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى مَاهِيَّتِهِ. وَكُلٌّ مِنْهُمَا أَصَابَ مِنْ وَجْهٍ؛ فَإِنَّ الصَّوَابَ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ مَقُولَةٌ بِالتَّوَاطُؤِ. كَمَا قَدْ قَرَّرْته فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.