للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا اسْتِعْمَالُ الْمَائِعَاتِ فِي ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ: سَوَاءٌ قِيلَ تَزُولُ النَّجَاسَةُ أَوْ لَا تَزُولُ. وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ الْعُلَمَاءِ: إنَّ الْمَاءَ يُرَاقُ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ وَلَا تُرَاقُ آنِيَةُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَاءَ أَسْرَعُ تَغَيُّرًا بِالنَّجَاسَةِ مِنْ الْمِلْحِ وَالنَّجَاسَةُ أَشَدُّ اسْتِحَالَةً فِي غَيْرِ الْمَاءِ مِنْهَا فِي الْمَاءِ فَالْمَائِعَاتُ أَبْعَدُ عَنْ قَبُولِ التَّنْجِيسِ حِسًّا وَشَرْعًا مِنْ الْمَاءِ فَحَيْثُ لَا يُنَجَّسُ الْمَاءُ فَالْمَائِعَاتُ أَوْلَى أَنْ لَا تُنَجَّسَ. وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ فَقَالَ: {أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوا سَمْنَكُمْ} . فَأَجَابَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَابًا عَامًّا مُطْلَقًا بِأَنْ يُلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَأَنْ يَأْكُلُوا سَمْنَهُمْ وَلَمْ يستفصلهم هَلْ كَانَ مَائِعًا أَوْ جَامِدًا. وَتَرْكُ الاستفصال فِي حِكَايَةِ الْحَالِ مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ. مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى سَمْنِ الْحِجَازِ أَنْ يَكُونَ ذَائِبًا. وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا ذَائِبًا وَالْغَالِبُ عَلَى السَّمْنِ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ الْقُلَّتَيْنِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَفْصِلْ هَلْ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ {إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوا سَمْنَكُمْ وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ} . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ.