للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمَنْ قَالَ: إنَّ الْمَائِعَ الْقَلِيلَ يَنْجُسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ قَالَ: إنَّهُ كَالْمَاءِ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِالْمُكَاثَرَةِ كَمَا يَطْهُرُ الْمَاءُ بِالْمُكَاثَرَةِ فَإِذَا صُبَّ عَلَيْهِ زَيْتٌ كَثِيرٌ طَهُرَ الْجَمِيعُ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْمَائِعَاتِ لَا تُنَجَّسُ كَمَا لَا يُنَجَّسُ الْمَاءُ هُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ بَلْ هِيَ أَوْلَى بِعَدَمِ التَّنْجِيسِ مِنْ الْمَاءِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ لَنَا الطَّيِّبَاتِ وَحَرَّمَ عَلَيْنَا الْخَبَائِثَ وَالْأَطْعِمَةُ وَالْأَشْرِبَةُ - مِنْ الْأَدْهَانِ وَالْأَلْبَانِ وَالزَّيْتِ وَالْخُلُولِ وَالْأَطْعِمَةِ الْمَائِعَةِ - هِيَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ الَّتِي أَحَلَّهَا اللَّهُ لَنَا فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهَا صِفَةُ الْخَبَثِ: لَا طَعْمُهُ وَلَا لَوْنُهُ وَلَا رِيحُهُ وَلَا شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ: كَانَتْ عَلَى حَالِهَا فِي الطَّيِّبِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ مِنْ الْخَبِيثِ الْمُحَرَّمَةِ مَعَ أَنَّ صِفَاتِهَا صِفَاتُ الطَّيِّبِ لَا صِفَاتُ الْخَبَائِثِ فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الطَّيِّبَاتِ وَالْخَبَائِثِ بِالصِّفَاتِ الْمُمَيِّزَةِ بَيْنَهُمَا. وَلِأَجْلِ تِلْكَ الصِّفَاتِ حُرِّمَ هَذَا وَأُحِلَّ هَذَا وَإِذَا كَانَ هَذَا الْحَبُّ وَقَعَ فِيهِ قَطْرَةُ دَمٍ أَوْ قَطْرَةُ خَمْرٍ وَقَدْ اسْتَحَالَتْ وَاللَّبَنُ بَاقٍ عَلَى صِفَتِهِ وَالزَّيْتُ بَاقٍ عَلَى صِفَتِهِ لَمْ يَكُنْ لِتَحْرِيمِ ذَلِكَ وَجْهٌ فَإِنَّ تِلْكَ قَدْ اُسْتُهْلِكَتْ وَاسْتَحَالَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا حَقِيقَةٌ مِنْ الْأَحْكَامِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الدَّمِ وَالْخَمْرِ. وَإِنَّمَا كَانَتْ أَوْلَى بِالطَّهَارَةِ مِنْ الْمَاءِ لِأَنَّ الشَّارِعَ رَخَّصَ فِي إرَاقَةِ الْمَاءِ وَإِتْلَافِهِ حَيْثُ لَمْ يُرَخِّصْ فِي إتْلَافِ الْمَائِعَاتِ كَالِاسْتِنْجَاءِ فَإِنَّهُ يُسْتَنْجَى بِالْمَاءِ دُونَ هَذِهِ وَكَذَلِكَ إزَالَةُ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ بِالْمَاءِ.