للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النَّازِلَةِ مِنْ الِاسْتِقْذَارِ. كَمَا شَهِدَ بِهِ أَنْفُسُ النَّاسِ. وَتَجِدُهُ طَبَائِعُهُمْ وَأَخْلَاقُهُمْ حَتَّى لَا نَكَادَ نَجِدُ أَحَدًا يُنْزِلُهُ مَنْزِلَةَ دُرِّ الْحَيَوَانِ وَنَسْلِهِ وَلَيْسَ لَنَا إلَّا طَاهِرٌ أَوْ نَجِسٌ وَإِذَا فَارَقَ الطهارات دَخَلَ فِي النَّجَاسَاتِ وَالْغَالِبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ النَّجَاسَاتِ. مِنْ مُبَاعَدَتِهِ وَمُجَانَبَتِهِ فَلَا يَكُونُ طَاهِرًا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ إذَا تَجَاذَبَتْهَا الْأُصُولُ لَحِقَتْ بِأَكْثَرِهَا شَبَهًا وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ اللَّبَنِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الْبَوْلِ وَهُوَ بِهَذَا أَشْبَهُ. وَيُقَوِّي هَذَا أَنَّهُ قَالَ تَعَالَى: {مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الدَّمَ نَجِسٌ فَكَذَلِكَ الْفَرْثُ لِتَظْهَرَ الْقُدْرَةُ وَالرَّحْمَةُ فِي إخْرَاجِ طَيِّبٍ مِنْ بَيْنِ خَبِيثَيْنِ. وَيُبَيِّنُ هَذَا جَمِيعَهُ أَنَّهُ يُوَافِقُ غَيْرَهُ مِنْ الْبَوْلِ فِي خَلْقِهِ وَلَوْنِهِ وَرِيحِهِ وَطَعْمِهِ فَكَيْفَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا مَعَ هَذِهِ الْجَوَامِعِ الَّتِي تَكَادُ تَجْعَلُ حَقِيقَةَ أَحَدِهِمَا حَقِيقَةَ الْآخَرِ. فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ: قِيَاسُ التَّمْثِيلِ وَتَعْلِيقُ الْحَكَمِ بِالْمُشْتَرَكِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: قِيَاسُ التَّعْلِيلِ بِتَنْقِيحِ مَنَاطِ الْحُكْمِ وَضَبْطِ أَصْلٍ كُلِّيٍّ. وَالثَّالِثُ: التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جِنْسِ الطَّاهِرَاتِ فَلَا يَجُوزُ إدْخَالُهُ فِيهَا فَهَذِهِ أَنْوَاعُ الْقِيَاسِ. أَصْلٌ وَوَصْلٌ وَفَصْلٌ. فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ: هُوَ الْأَصْلُ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَخْبَاثِ.