أَرَدْت الْأَوَّلَ فَهُوَ بَاطِلٌ بِالْقَضَايَا الْمُجَرَّبَةِ الَّتِي تَوَاطَأَتْ عَلَيْهَا الْأُمَمُ وَجَرَتْ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ مَجْرَى الضَّرُورِيَّات بَلْ هُوَ رَدٌّ لِمَا يُشَاهَدُ وَيُعَايَنُ. بَلْ قَدْ قِيلَ: إنَّهُ رَدٌّ لِلْقُرْآنِ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ فِيهِمَا إثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} وَلَعَلَّ هَذَا فِي الْخَمْرِ أَظْهَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَقَالَاتِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ طِيبِ الْأَبْدَانِ. وَإِنْ أَرَدْت أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَنَّهَا دَاءٌ لِلنُّفُوسِ وَالْقُلُوبِ وَالْعُقُولِ وَهِيَ أُمُّ الْخَبَائِثِ وَالنَّفْسُ وَالْقَلْبُ هُوَ الْمَلِكُ الْمَطْلُوبُ صَلَاحُهُ وَكَمَالُهُ وَإِنَّمَا الْبَدَنُ آلَةٌ لَهُ وَهُوَ تَابِعٌ لَهُ مُطِيعٌ لَهُ طَاعَةَ الْمَلَائِكَةِ رَبَّهَا فَإِذَا صَلَحَ الْقَلْبُ صَلَحَ الْبَدَنُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَ الْقَلْبُ فَسَدَ الْبَدَنُ كُلُّهُ فَالْخَمْرُ هِيَ دَاءٌ وَمَرَضٌ لِلْقَلْبِ مُفْسِدٌ لَهُ مُضَعْضِعٌ لِأَفْضَلِ خَوَاصِّهِ الَّذِي هُوَ الْعَقْلُ وَالْعِلْمُ وَإِذَا فَسَدَ الْقَلْبُ فَسَدَ الْبَدَنُ كُلُّهُ كَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ فَتَصِيرُ دَاءً لِلْبَدَنِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِوَاسِطَةِ كَوْنِهَا دَاءً لِلْقَلْبِ. وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَمْوَالِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمَسْرُوقَةِ فَإِنَّهُ رُبَّمَا صَلَحَ عَلَيْهَا الْبَدَنُ وَنَبَتَ وَسَمِنَ لَكِنْ يَفْسُدُ عَلَيْهَا الْقَلْبُ فَيَفْسُدُ الْبَدَنُ بِفَسَادِهِ. وَأَمَّا الْمَصْلَحَةُ: الَّتِي فِيهَا فَإِنَّهَا مَنْفَعَةٌ لِلْبَدَنِ فَقَطْ وَنَفْعُهَا مَتَاعٌ قَلِيلٌ فَهِيَ وَإِنْ أَصْلَحَتْ شَيْئًا يَسِيرًا فَهِيَ فِي جَنْبِ مَا تُفْسِدُهُ كَلَا إصْلَاحٍ. وَهَذَا بِعَيْنِهِ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {فِيهِمَا إثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} فَهَذَا لَعَمْرِي شَأْنُ جَمِيعِ الْمُحَرَّمَاتِ فَإِنَّ فِيهَا مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute