لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَكُونُ الْعِلْمُ الْوَاجِبُ خَفِيًّا لَا يُعْلَمُ إلَّا بِطَرِيقِ طَوِيلَةٍ صَعْبَةٍ مَخُوفَةٍ مَعَ تَعَذُّرِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ أَوْ تَعَسُّرِهِ فِي أَغْلَبِ الْأَحْوَالِ. وَلِهَذَا كَانَ الَّذِينَ سَلَكُوا هَذِهِ الطَّرِيقَ يَتَكَلَّمُونَ بِلَا عِلْمٍ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ وَالدَّلِيلُ الْمَشْهُورُ لَهُمْ الْجَدْيُ وَالْقُطْبُ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْقُطْبُ هُوَ الْجَدْيُ وَهُوَ كَوْكَبٌ خَفِيٌّ وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ؛ فَإِنَّ الْقُطْبَ لَيْسَ هُوَ الْجَدْيَ وَالْجَدْيُ لَيْسَ بِكَوْكَبِ خَفِيٍّ؛ بَلْ كَوْكَبٌ نَيِّرٌ وَالْقُطْبُ لَيْسَ أَيْضًا كَوْكَبًا. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْجَدْيُ هُوَ كَوْكَبٌ خَفِيٌّ وَهُوَ خَطَأٌ. وَجُمْهُورُهُمْ يَقُولُونَ الْقُطْبُ كَوْكَبٌ خَفِيٌّ وَيَحْكُونَ قَوْلَيْنِ فِي الْقُطْبِ هَلْ يَدُورُ أَوْ لَا يَدُورُ؟ وَهَذَا تَخْلِيطٌ؛ فَإِنَّ الْقُطْبَ الَّذِي هُوَ مَرْكَزُ الْحَرَكَةِ لَا يَتَغَيَّرُ عَنْ مَوْضِعِهِ كَمَا أَنَّ قُطْبَ الرَّحَى لَا يَتَغَيَّرُ عَنْ مَوْضِعِهِ. وَلَكِنْ هُنَاكَ كَوْكَبٌ صَغِيرٌ خَفِيٌّ قَرِيبٌ مِنْهُ. وَهَذَا إذَا سُمِّيَ قُطْبًا كَانَ تَسْمِيَتُهُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ أَقْرَبَ الْكَوَاكِبِ إلَى الْقُطْبِ وَهَذَا يَدُورُ؛ فَالْكَوَاكِبُ تَدُورُ بِلَا رَيْبٍ وَمَدَارُ الْحَرَكَةِ الَّذِي هُوَ قُطْبُهَا لَا يَدُورُ بِلَا رَيْبٍ فَحِكَايَةُ قَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ كَلَامُ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا وَالدَّلِيلُ الظَّاهِرُ هُوَ الْجَدْيُ. وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى الْعَيْنِ إنَّمَا يَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ؛ لَا فِي جَمِيعِهَا؛ فَإِنَّ الْقُطْبَ إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ عِنْدَ تَنَاهِي قِصَرِ الظِّلَالِ يَكُونُ الْقُطْبُ مُحَاذِيًا لِلرُّكْنِ الشَّامِيِّ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي يَكُونُ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute