مَا سَمِعْتُمُوهُ مِنْ تُهْمَةِ الْمَلِكِ، وَلَمَّا عَلِمَتْ الْحُكَّامُ أَنَّ فِي الْقَضِيَّةِ أَمْرَ الْمَلِكِ أَحْجَمُوا وَخَافُوا مِنْ الْكَلَامِ خَوْفًا يَعْذُرُهُمْ اللَّهُ فِيهِ أَوْ لَا يَعْذُرُهُمْ. لَكِنْ لَوْلَا هَذَا لَتَكَلَّمُوا بِأَشْيَاءَ. وَلَوْ كَانَ هَذَا الْحُكْمُ شَاذًّا أَوْ فِيهِ غَرَضٌ لِذِي سَيْفٍ لَكَانَ عَجَائِبَ. فَقَالُوا يَا مَوْلَانَا مَنْ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْمَلِكِ. نَحْنُ مَا نَتَكَلَّمُ. دَعْنَا مِنْ الْكَلَامِ فِي الْمَلِكِ. فَقُلْت: أَيُّهَا النَّائِمُ أُخَلِّيكُمْ مِنْ الْمَلِكِ وَهَذِهِ الْفِتْنَةُ الَّتِي قَدْ مَلَأْتُمْ بِهَا الدُّنْيَا هَلْ أَثَارَهَا إلَّا ذَلِكَ وَنَحْنُ قَدْ سَمِعْنَا هَذَا بِدِمَشْقَ. لَكِنْ مَا اعْتَقَدْنَا أَنَّ عَاقِلًا يُصَدِّقُ بِذَلِكَ. وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ تُهْمَةُ الْمَلِكِ إذَا ذَكَرَ لَهُمْ بَعْضَ مَا يَقُولُهُ الْمُنَازِعُونَ لِي يَسْتَعْظِمُونَهُ جِدًّا وَيَرَوْنَ مُقَابَلَةَ قَائِلِهَا بِأَعْظَمِ الْعُقُوبَةِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} . فَيَعْلَمُ أَنِّي لَوْ أَطْلُبُ هَذَا ذَهَبَتْ الطُّيُورُ بِي وَبِبَدْرِ الدِّينِ كُلَّ مَذْهَبٍ، وَقِيلَ إنَّ بَيْنَنَا فِي الْبَاطِنِ اتِّفَاقَاتٍ. فَأَنَا أَعْمَلُ مَعَهُ مَا أَرْجُو جَزَاءَهُ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ يَعْمَلُ بِمُوجِبِ دِينِهِ. وَأَيْضًا " فَبَدْرُ الدِّينِ " لَا يَحْتَمِلُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَأَذَاهُمْ - مَا يَفْعَلُهُ مِثْلُ هَؤُلَاءِ - رَجُلٌ لَهُ مَنْصِبٌ وَلَهُ أَعْدَاءٌ وَأَنَا - وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ - فَقَدْ فَعَلُوا غَايَةَ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ وَمَا بَقِيَ إلَّا نَصْرُ اللَّهِ الَّذِي وَعَدَ بِهِ رَسُولَهُ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْم يَقُومُ الْأَشْهَادُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute