للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَصِيرَ بِسَبَبِ كَثْرَةِ كَلَامِهِمْ مُكَافِئًا - عِنْدَ الْجُهَّالِ - لِكَلَامِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ حَتَّى يَشْتَبِهَ الْأَمْرُ عَلَى مَنْ يَتَوَلَّى أَمْرَ هَؤُلَاءِ فَيَحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى مَنْ يَقُومُ بِإِظْهَارِ حُجَّةِ اللَّهِ وَتَبْيِينِهَا حَتَّى تَكُونَ الْعُقُوبَةُ بَعْدَ الْحُجَّةِ. وَإِلَّا فَالْعُقُوبَةُ قَبْلَ الْحُجَّةِ لَيْسَتْ مَشْرُوعَةً: قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} . وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ فِي الْبُغَاةِ إنَّ الْإِمَامَ يُرَاسِلُهُمْ فَإِنْ ذَكَرُوا شُبْهَةً بَيَّنَهَا وَإِنْ ذَكَرُوا مَظْلِمَةً أَزَالَهَا كَمَا أَرْسَلَ عَلِيٌّ ابْنَ عَبَّاسٍ إلَى الْخَوَارِجِ فَنَاظَرَهُمْ حَتَّى رَجَعَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَكَمَا طَلَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ دُعَاةَ الْقَدَرِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ فَنَاظَرَهُمْ حَتَّى ظَهَرَ لَهُمْ الْحَقُّ وَأَقَرُّوا بِهِ، ثُمَّ بَعْدَ مَوْتِهِ نَقَضَ غَيْلَانُ الْقَدَرِيُّ التَّوْبَةَ فَصُلِبَ. وَأَمَّا إلْزَامُ السُّلْطَانِ فِي مَسَائِلِ النِّزَاعِ بِالْتِزَامِ قَوْلٍ بِلَا حُجَّةٍ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: فَهَذَا لَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُفِيدُ حُكْمُ حَاكِمٍ بِصِحَّةِ قَوْلٍ دُونَ قَوْلٍ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، إلَّا إذَا كَانَ مَعَهُ حُجَّةٌ يَجِبُ الرُّجُوعُ إلَيْهَا فَيَكُونُ كَلَامُهُ قَبْلَ الْوِلَايَةِ وَبَعْدَهَا سَوَاءً وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْكُتُبِ الَّتِي يُصَنِّفُهَا فِي الْعِلْمِ. نَعَمْ الْوِلَايَةُ قَدْ تُمَكِّنُهُ مِنْ قَوْلِ حَقٍّ وَنَشْرِ عِلْمٍ قَدْ كَانَ يَعْجِزُ عَنْهُ بِدُونِهَا، وَبَابُ الْقُدْرَةِ وَالْعَجْزِ غَيْرُ بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَعَدَمِهِ. نَعَمْ لِلْحَاكِمِ إثْبَاتُ مَا قَالَهُ زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ مُخْتَصًّا بِهِ كَانَ مِمَّا يَحْكُمُ فِيهِ الْحُكَّامُ،