للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَذَا الِاهْتِدَاءُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهُدَى اللَّهِ: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} وَهَذِهِ الْآيَةُ مِمَّا يُبَيِّنُ بِهِ فَسَادَ مَذْهَبِ الْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَفْتَقِرُ فِي حُصُولِ هَذَا الِاهْتِدَاءِ. بَلْ كُلُّ عَبْدٍ عِنْدَهُمْ فَمَعَهُ مَا يَحْصُلُ بِهِ الطَّاعَةُ وَالْمَعْصِيَةُ لَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ الْمُؤْمِنَ عِنْدَهُمْ بِهُدَى حَصَلَ بِهِ الِاهْتِدَاءُ وَالْكَلَامُ عَلَيْهِمْ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ كُلَّ عَبْدٍ فَهُوَ مُفْتَقِرٌ دَائِمًا إلَى حُصُولِ هَذِهِ الْهِدَايَةِ وَأَمَّا سُؤَالُ مَنْ يَقُولُ: فَقَدْ هَدَاهُمْ إلَى الْإِيمَانِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْهُدَى. وَجَوَابُ مَنْ يُجِيبُ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ دَوَامُ الْهُدَى. فَكَلَامُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ حَالَ الْإِنْسَانِ وَمَا أُمِرَ بِهِ؛ فَإِنَّ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ حَقِيقَتُهُ: أَنْ تَفْعَلَ كُلَّ وَقْتٍ مَا أُمِرْت بِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ عِلْمٍ وَعَمَلٍ وَلَا تَفْعَلْ مَا نُهِيت عَنْهُ وَإِلَى أَنْ يَحْصُلَ لَهُ إرَادَةٌ جَازِمَةٌ لِفِعْلِ الْمَأْمُورِ وَكَرَاهَةٌ جَازِمَةٌ لِتَرْكِ الْمَحْذُورِ. وَهَذَا الْعِلْمُ الْمُفَصَّلُ وَالْإِرَادَةُ الْمُفَصَّلَةُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَحْصُلَ لِلْعَبْدِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بَلْ كُلُّ وَقْتٍ يَحْتَاجُ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْعُلُومِ وَالْإِرَادَاتِ مَا يُهْدَى بِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. نَعَمْ حَصَلَ لَهُ هُدًى مُجْمَلٌ بِأَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ وَدِينَ الْإِسْلَامِ حُقٌّ وَالرَّسُولَ حَقٌّ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ هَذَا الْهُدَى الْمُجْمَلَ لَا يُغْنِيهِ إنْ لَمْ يَحْصُلْ هُدًى مُفَصَّلٌ فِي كُلِّ مَا يَأْتِيهِ وَيَذَرُهُ مِنْ الْجُزْئِيَّاتِ الَّتِي يَحَارُ