يُدْرَكْ فَإِذَا قَالَ: مَا سَمِعْنَا أَوْ مَا رَأَيْنَا لِمَا شَأْنُهُ أَنْ يَسْمَعَهُ وَيَرَاهُ كَانَ مَقْصُودُهُ بِذَلِكَ نَفْيَ وَجُودِهِ وَذِكْرُ نَفْيِ الْإِدْرَاكِ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ دَلِيلٌ فِيمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِدْرَاكِهِ. وَهَذَا يَظْهَرُ (بِالْوَجْهِ الثَّالِثِ وَهُوَ أَنَّ أَنَسًا كَانَ يَخْدِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ إلَى أَنْ مَاتَ وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَى نِسَائِهِ قَبْلَ الْحِجَابِ وَيَصْحَبُهُ حَضَرًا وَسَفَرًا وَكَانَ حِينَ حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ نَاقَتِهِ يَسِيلُ عَلَيْهِ لُعَابُهَا أَفَيُمْكِنُ مَعَ هَذَا الْقُرْبِ الْخَاصِّ وَالصُّحْبَةِ الطَّوِيلَةِ أَنْ لَا يَسْمَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِهَا مَعَ كَوْنِهِ يَجْهَرُ بِهَا هَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ بُطْلَانُهُ فِي الْعَادَةِ. ثُمَّ إنَّهُ صَحِبَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَتَوَلَّى لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وِلَايَاتٍ وَلَا كَانَ يُمْكِنُ مَعَ طُولِ مُدَّتِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْهَرُونَ وَهُوَ لَا يَسْمَعُ ذَلِكَ فَتَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا تَحْرِيفٌ لَا تَأْوِيلٌ. لَوْ لَمْ يُرْوَ إلَّا هَذَا اللَّفْظُ فَكَيْفَ وَالْآخَرُ صَرِيحٌ فِي نَفْيِ الذِّكْرِ بِهَا وَهُوَ يُفَضِّلُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الْأُخْرَى. وَكِلَا الرِّوَايَتَيْنِ يَنْفِي تَأْوِيلَ مَنْ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ: يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بالحمد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَنَّهُ أَرَادَ السُّورَةَ فَإِنَّ قَوْلَهُ: يَفْتَتِحُونَ بالحمد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا يَذْكُرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا صَرِيحٌ أَنَّهُ فِي قَصْدِ الِافْتِتَاحِ بِالْآيَةِ لَا بِسُورَةِ الْفَاتِحَةِ الَّتِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute