للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذَا فَرَغْت مِنْ الصَّلَاةِ فَانْصَبْ فِي الدُّعَاءِ وَاَلَّذِي فَرَغَ مِنْهُ هُوَ نَظِيرُ الَّذِي أُمِرَ بِهِ فَهُوَ فِي الصَّلَاةِ كَانَ نَاصِبًا فِي الدُّعَاءِ لَا فَارِغًا. ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يَقُلْ مُسْلِمٌ إنَّ الدُّعَاءَ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ يَكُونُ أَوْكَدَ وَأَقْوَى مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ لَوْ كَانَ قَوْلُهُ: (فَانْصَبْ فِي الدُّعَاءِ لَمْ يُحْتَجْ إلَى قَوْلِهِ: {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} فَإِنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الدُّعَاءَ إنَّمَا يَكُونُ لِلَّهِ. فَعُلِمَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِشَيْئَيْنِ: أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْعِبَادَةِ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ أَشْغَالِهِ وَأَنْ تَكُونَ رَغْبَتُهُ إلَى رَبِّهِ لَا إلَى غَيْرِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فَقَوْلُهُ: {إيَّاكَ نَعْبُدُ} مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ فَانْصَبْ. وَقَوْلُهُ: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ: {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} وَقَوْلُهُ: {هُوَ رَبِّي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} وَقَوْلُ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} وَمِنْهُ الَّذِي يُرْوَى عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ: {اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَوْجَهِ مَنْ تَوَجَّهَ إلَيْك وَأَقْرَبِ مَنْ تَقَرَّبَ إلَيْك وَأَفْضَلِ مَنْ سَأَلَك وَرَغِبَ إلَيْك} وَالْأَثَرُ الْآخَرُ وَإِلَيْك الرغباء وَالْعَمَلُ وَذَلِكَ أَنَّ دُعَاءَ اللَّهِ الْمَذْكُورَ فِي الْقُرْآنِ نَوْعَانِ: دُعَاءُ عِبَادَةٍ وَدُعَاءُ مَسْأَلَةٍ وَرَغْبَةٍ فَقَوْلُهُ: {فَانْصَبْ} {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} يَجْمَعُ نَوْعَيْ دُعَاءِ اللَّهِ قَالَ تَعَالَى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ} الْآيَةَ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ.