للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي جَوَازِ الْأَمْرِ بِهِ عَقْلًا حَتَّى نَازَعَ بَعْضُهُمْ فِي " الْمُمْتَنِعِ لِذَاتِهِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ وَالنَّقِيضَيْنِ هَلْ يَجُوزُ الْأَمْرُ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَرِدْ فِي الشَّرِيعَةِ؟ وَمَنْ غَلَا فَزَعَمَ وُقُوعَ هَذَا الضَّرْبِ فِي الشَّرِيعَةِ - كَمَنْ يَزْعُمُ أَنَّ أَبَا لَهَبٍ كُلِّفَ بِأَنْ يُؤْمِنَ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ - فَهُوَ مُبْطِلٌ فِي ذَلِكَ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ. بَلْ إذَا قُدِّرَ أَنَّهُ أُخْبِرَ بِصِلِيِّهِ النَّارَ - الْمُسْتَلْزِمِ لِمَوْتِهِ عَلَى الْكُفْرِ - وَأَنَّهُ أُسْمِعَ هَذَا الْخِطَابَ: فَفِي هَذَا الْحَالِ انْقَطَعَ تَكْلِيفُهُ وَلَمْ يَنْفَعْهُ الْإِيمَانُ حِينَئِذٍ كَإِيمَانِ مَنْ يُؤْمِنُ بَعْدَ مُعَايَنَةِ الْعَذَابِ قَالَ تَعَالَى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} وَقَالَ تَعَالَى: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} . وَالْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ النِّزَاعَ فِي هَذَا الْأَصْلِ يَتَنَوَّعُ تَارَةً إلَى الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَتَارَةً إلَى جَوَازِ الْأَمْرِ. وَمِنْ هُنَا شَبَّهَ مَنْ شَبَّهَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى النَّاسِ حَيْثُ جَعَلَ الْقِسْمَيْنِ قِسْمًا وَاحِدًا وَادَّعَى تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ مُطْلَقًا: لِوُقُوعِ بَعْضِ الْأَقْسَامِ الَّتِي لَا يَجْعَلُهَا عَامَّةُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَابِ مَا لَا يُطَاقُ. وَالنِّزَاعُ فِيهَا لَا يَتَعَلَّقُ بِمَسَائِلِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ؛ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَسَائِلِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ. ثُمَّ إنَّهُ جَعَلَ جَوَازَ هَذَا الْقِسْمِ مُسْتَلْزِمًا لِجَوَازِ الْقِسْمِ الَّذِي اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ وَقَاسَ أَحَدَ النَّوْعَيْنِ بِالْآخَرِ. وَذَلِكَ مِنْ " الْأَقْيِسَةِ " الَّتِي اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ؛ بَلْ وَسَائِرُ أَهْلِ الْمِلَلِ؛ بَلْ وَسَائِرُ الْعُقَلَاءِ عَلَى بُطْلَانِهَا - فَإِنَّ مَنْ قَاسَ الصَّحِيحَ الْمَأْمُورَ بِالْأَفْعَالِ - كَقَوْلِهِ إنَّ الْقُدْرَةَ مَعَ الْفِعْلِ أَوْ أَنَّ اللَّهَ