للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعَلَى هَذَا فَالْمُسَافِرُ لَمْ يَكُنْ مُسَافِرًا لِقَطْعِهِ مَسَافَةً مَحْدُودَةً وَلَا لِقَطْعِهِ أَيَّامًا مَحْدُودَةً بَلْ كَانَ مُسَافِرًا لِجِنْسِ الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ سَفَرٌ وَقَدْ يَكُونُ مُسَافِرًا مِنْ مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ وَلَا يَكُونُ مُسَافِرًا مِنْ أَبْعَدَ مِنْهَا: مِثْلَ أَنْ يَرْكَبَ فَرَسًا سَابِقًا وَيَسِيرَ مَسَافَةَ بَرِيدٍ ثُمَّ يَرْجِعَ مِنْ سَاعَتِهِ إلَى بَلَدِهِ فَهَذَا لَيْسَ مُسَافِرًا. وَإِنْ قَطَعَ هَذِهِ الْمَسَافَةَ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَيَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى حَمْلِ زَادٍ وَمَزَادٍ كَانَ مُسَافِرًا كَمَا كَانَ سَفَرُ أَهْلِ مَكَّةَ إلَى عَرَفَةَ. وَلَوْ رَكِبَ رَجُلٌ فَرَسًا سَابِقًا إلَى عَرَفَةَ ثُمَّ رَجَعَ مِنْ يَوْمِهِ إلَى مَكَّةَ لَمْ يَكُنْ مُسَافِرًا. يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَالَ: {يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامِ وَلَيَالِيهِنَّ - وَالْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً} فَلَوْ قَطَعَ بَرِيدًا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَانَ مُسَافِرًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ فَيَجِبُ أَنْ يَمْسَحَ مَسْحَ سَفَرٍ وَلَوْ قَطَعَ الْبَرِيدَ فِي نِصْفِ يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ مُسَافِرًا. فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا اعْتَبَرَ أَنْ يُسَافِرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ سَوَاءٌ كَانَ سَفَرُهُ حَثِيثًا أَوْ بَطِيئًا سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَيَّامُ طِوَالًا أَوْ قِصَارًا وَمَنْ قَدَّرَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ يَوْمَيْنِ جَعَلُوا ذَلِكَ بِسَيْرِ الْإِبِلِ وَالْأَقْدَامِ وَجَعَلُوا الْمَسَافَةَ الْوَاحِدَةَ حَدًّا يَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ النَّاسِ حَتَّى لَوْ قَطَعَهَا فِي يَوْمٍ جَعَلُوهُ مُسَافِرًا وَلَوْ قَطَعَ مَا دُونَهَا فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَجْعَلُوهُ مُسَافِرًا وَهَذَا مُخَالِفٌ لِكَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.