يُتِمُّوا خَلْفَ الْإِمَامِ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ إنَّمَا أَجَابَ بِهِ مَنْ سَأَلَهُ إذَا سَافَرَ إلَى مِنًى أَوْ عَرَفَةَ سَفَرًا لَا يَنْزِلُ فِيهِ بِمِنَى وَعَرَفَةَ؛ بَلْ يَرْجِعُ مِنْ يَوْمِهِ فَهَذَا لَا يَقْصُرُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ أَنَّ مَنْ ذَهَبَ وَرَجَعَ مِنْ يَوْمِهِ لَا يَقْصُرُ وَإِنَّمَا يَقْصُرُ مَنْ سَافَرَ يَوْمًا وَلَمْ يَقُلْ: مَسِيرَةَ يَوْمٍ؛ بَلْ اعْتَبَرَ أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ يَوْمًا وَقَدْ اسْتَفَاضَ عَنْهُ جَوَازُ الْقَصْرِ إلَى عسفان. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهَا اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ مِيلًا وَغَيْرُهُ يَقُولُ: أَرْبَعَةُ بُرُدٍ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا. وَاَلَّذِينَ حَدُّوهَا ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلًا عُمْدَتُهُمْ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُمْ تُخَالِفُ ذَلِكَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا قَوْلُهُمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤْخَذَ بِبَعْضِ أَقْوَالِهِمَا دُونَ بَعْضٍ؛ بَلْ إمَّا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا وَإِمَّا أَنْ يُطْلَبَ دَلِيلٌ آخَرُ. فَكَيْفَ وَالْآثَارُ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنْوَاعٌ أُخَرُ وَلِهَذَا كَانَ الْمُحَدِّدُونَ بستة عَشَرَ فَرْسَخًا مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد إنَّمَا لَهُمْ طَرِيقَانِ: بَعْضُهُمْ يَقُولُ: لَمْ أَجِدْ أَحَدًا قَالَ بِأَقَلَّ مِنْ الْقَصْرِ فِيمَا دُونَ هَذَا فَيَكُونُ هَذَا إجْمَاعًا. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الشَّافِعِيِّ. وَهَذَا أَيْضًا مَنْقُولٌ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. فَهَذَانِ الْإِمَامَانِ بَيَّنَا عُذْرَهُمَا أَنَّهُمَا لَمْ يَعْلَمَا مَنْ قَالَ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرُهُمَا قَدْ عَلِمَ مَنْ قَالَ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ. وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقُولُوا: هَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ فَصَارَ إجْمَاعًا. وَهَذَا بَاطِلٌ فَإِنَّهُ نُقِلَ عَنْهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute