للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَيْ النَّفْسُ الْمَوْصُوفَةُ فَإِذَا قَالَ هَؤُلَاءِ الْمُؤَكِّدُونَ " الذَّاتُ " فَإِنَّمَا يَعْنُونَ بِهِ النَّفْسَ الْحَقِيقِيَّةَ؛ الَّتِي لَهَا وَصْفٌ وَلَهَا صِفَاتٌ. وَالصِّفَةُ وَالْوَصْفُ تَارَةً يُرَادُ بِهِ الْكَلَامُ الَّذِي يُوصَفُ بِهِ الْمَوْصُوفُ؛ كَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ فِي {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أُحِبُّهَا لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ وَتَارَةً يُرَادُ بِهِ الْمَعَانِي الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا الْكَلَامُ: كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ. وَالْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةُ وَغَيْرُهُمْ تُنْكِرُ هَذِهِ وَتَقُولُ: إنَّمَا الصِّفَاتُ مُجَرَّدُ الْعِبَارَةِ الَّتِي يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْمَوْصُوفِ. والْكُلَّابِيَة وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ مِنْ الصفاتية قَدْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْوَصْفِ فَيَجْعَلُونَ الْوَصْفَ هُوَ الْقَوْلَ؛ وَالصِّفَةَ الْمَعْنَى الْقَائِمَ بِالْمَوْصُوفِ. وَأَمَّا جَمَاهِيرُ النَّاسِ فَيَعْلَمُونَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ لَفْظِ الصِّفَةِ وَالْوَصْفِ مَصْدَرٌ فِي الْأَصْلِ؛ كَالْوَعْدِ وَالْعِدَةِ؛ وَالْوَزْنِ وَالزِّنَةِ؛ وَأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ تَارَةً هَذَا؛ وَتَارَةً هَذَا. وَلَمَّا كَانَ أُولَئِكَ الْجَهْمِيَّة يَنْفُونَ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ وَصْفٌ قَائِمٌ بِهِ: عِلْمٌ أَوْ قُدْرَةٌ؛ أَوْ إرَادَةٌ أَوْ كَلَامٌ - وَقَدْ أَثْبَتَهَا الْمُسْلِمُونَ - صَارُوا يَقُولُونَ: هَؤُلَاءِ أَثْبَتُوا صِفَاتٍ زَائِدَةً عَلَى الذَّاتِ. وَقَدْ صَارَ طَائِفَةٌ مِنْ مُنَاظِرِيهِمْ الصفاتية يُوَافِقُونَهُمْ عَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ وَيَقُولُونَ: الصِّفَاتُ زَائِدَةٌ عَلَى الذَّاتِ الَّتِي وَصَفُوا - لَهَا صِفَاتٌ وَوَصْفٌ - فَيُشْعِرُونَ النَّاسَ أَنَّ هُنَاكَ ذَاتًا مُتَمَيِّزَةً عَنْ الصِّفَاتِ وَأَنَّ لَهَا صِفَاتٍ مُتَمَيِّزَةً عَنْ الذَّاتِ. وَيُشَنِّعُ نفاة الصِّفَاتِ بِشَنَاعَاتِ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.