للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الذَّاتَ الْمَوْصُوفَةَ لَا تَنْفَكُّ عَنْ الصِّفَاتِ أَصْلًا وَلَا يُمْكِنُ وُجُودُ ذَاتٍ خَالِيَةٍ عَنْ الصِّفَاتِ. فَدَعْوَى الْمُدَّعِي وُجُودُ حَيٍّ عَلِيمٍ قَدِيرٍ بَصِيرٍ بِلَا حَيَاةٍ وَلَا عِلْمٍ وَلَا قُدْرَةٍ؛ كَدَعْوَى قُدْرَةٍ وَعِلْمٍ وَحَيَاةٍ لَا يَكُونُ الْمَوْصُوفُ بِهَا حَيًّا عَلِيمًا قَدِيرًا بَلْ دَعْوَى شَيْءٍ مَوْجُودٍ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ قَدِيمٍ أَوْ مُحْدَثٍ عَرِيَ عَنْ جَمِيعِ الصِّفَاتِ مُمْتَنِعٌ فِي صَرِيحِ الْعَقْلِ. وَلَكِنَّ الْجَهْمِيَّة الْمُعْتَزِلَةَ وَغَيْرَهُمْ؛ لَمَّا أَثْبَتُوا ذَاتًا مُجَرَّدَةً عَنْ الصِّفَاتِ صَارَ مُنَاظِرُهُمْ يَقُولُ: أَنَا أُثْبِتُ الصِّفَاتِ زَائِدَةً عَلَى مَا أَثْبَتُّمُوهُ مِنْ الذَّاتِ؛ أَيْ لَا أَقْتَصِرُ عَلَى مُجَرَّدِ إثْبَاتِ ذَاتٍ بِلَا صِفَاتٍ. وَلَمْ يَعْنِ بِذَلِكَ أَنَّهُ فِي الْخَارِجِ ذَاتٌ ثَابِتَةٌ بِنَفْسِهَا؛ وَلَا مَعَ ذَلِكَ صِفَاتٌ هِيَ زَائِدَةٌ عَلَى هَذِهِ الذَّاتِ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ الذَّاتِ وَلِهَذَا كَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: الصِّفَاتُ غَيْرُ الذَّاتِ. كَمَا يَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ؛ والكَرَّامِيَة؛ ثُمَّ الْمُعْتَزِلَةُ تَنْفِيهَا: والكَرَّامِيَة تُثْبِتُهَا. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الصِّفَةُ لَا هِيَ الْمَوْصُوفُ وَلَا هِيَ غَيْرُهُ. كَمَا يَقُولُهُ طَوَائِفُ مِنْ الصفاتية كَأَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ كَمَا قَالَتْ الْأَئِمَّةُ: لَا نَقُولُ الصِّفَةُ هِيَ الْمَوْصُوفُ؛ وَلَا نَقُولُ: هِيَ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّا لَا نَقُولُ: لَا هِيَ هُوَ؛ وَلَا هِيَ غَيْرُهُ فَإِنَّ لَفْظَ الْغَيْرِ فِيهِ إجْمَالٌ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْمُبَايِنُ لِلشَّيْءِ أَوْ مَا قَارَنَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ؛ وَمَا قَارَبَهُ بِوُجُودِ أَوْ زَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ؛ وَيُرَادُ بِالْغَيْرِ: أَنَّ مَا جَازَ الْعِلْمُ بِأَحَدِهِمَا مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْآخَرِ.