للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَكَلَ أَكْلًا كَثِيرًا أَوْرَثَهُ تُخَمَةً وَمَرَضًا فَكَانَ مَنْعُهُ فِي الصَّوْمِ عَنْ هَذَا أَوْكَدَ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْهُ فِي الْإِفْطَارِ وَبَقِيَ الصَّوْمُ أَوْكَدَ وَهَذَا كَمَنْعِهِ مِنْ الزِّنَا فَإِنَّهُ إذَا مُنِعَ مِنْ الْوَطْءِ الْمُبَاحِ فَالْمَحْظُورُ أَوْلَى. فَإِنْ قِيلَ: فَالْجِمَاعُ مُفْطِرٌ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مُنْتَفِيَةٌ فِيهِ؟ قِيلَ: تِلْكَ أَحْكَامٌ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ فَلَا يَحْتَاجُ إثْبَاتُهَا إلَى الْقِيَاسِ: بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعِلَلُ مُخْتَلِفَةً فَيَكُونُ تَحْرِيمُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْفِطَرُ بِذَلِكَ لِحِكْمَةِ. وَتَحْرِيمُ الْجِمَاعِ وَالْفِطْرُ بِهِ لِحِكْمَةٍ وَالْفِطَرُ بِالْحَيْضِ لِحِكْمَةِ فَإِنَّ الْحَيْضَ لَا يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ يَحْرُمُ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُفْطِرَاتِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ لَمَّا انْقَسَمَتْ إلَى أُمُورٍ اخْتِيَارِيَّةٍ تَحْرُمُ عَلَى الْعَبْدِ كَالْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ وَإِلَى أُمُورٍ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِيهَا كَدَمِ الْحَيْضِ كَذَلِكَ تَنْقَسِمُ عِلَلُهَا. فَنَقُولُ: أَمَّا الْجِمَاعُ فَإِنَّهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ سَبَبُ إنْزَالِ الْمَنِيِّ يَجْرِي مَجْرَى الِاسْتِقَاءَةِ وَالْحَيْضُ وَالِاحْتِجَامُ - كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ مِنْ نَوْعِ الِاسْتِفْرَاغِ لَا الِامْتِلَاءِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ إحْدَى الشَّهْوَتَيْنِ فَجَرَى مَجْرَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ قَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ {عن اللَّهِ تَعَالَى: قَالَ: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي