للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي} فَتَرْكُ الْإِنْسَانِ مَا يَشْتَهِيهِ لِلَّهِ هُوَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا كَمَا يُثَابُ الْمُحْرِمُ عَلَى تَرْكِ مَا اعْتَادَهُ مِنْ اللِّبَاسِ وَالطِّيبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ نَعِيمِ الْبَدَنِ وَالْجِمَاعُ مِنْ أَعْظَمِ نَعِيمِ الْبَدَنِ وَسُرُورِ النَّفْسِ وَانْبِسَاطِهَا هُوَ يُحَرِّكُ الشَّهْوَةَ وَالدَّمَ وَالْبَدَنَ أَكْثَرَ مِنْ الْأَكْلِ فَإِذَا كَانَ الشَّيْطَانُ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ. وَالْغِذَاءُ يَبْسُطُ الدَّمَ الَّذِي هُوَ مَجَارِيهِ فَإِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ انْبَسَطَتْ نَفْسُهُ إلَى الشَّهَوَاتِ وَضَعُفَتْ إرَادَتُهَا وَمَحَبَّتُهَا لِلْعِبَادَاتِ فَهَذَا الْمَعْنَى فِي الْجِمَاعِ أَبْلَغُ فَإِنَّهُ يَبْسُطُ إرَادَةَ النَّفْسِ لِلشَّهَوَاتِ وَيُضْعِفُ إرَادَتَهَا عَنْ الْعِبَادَاتِ أَعْظَمَ؛ بَلْ الْجِمَاعُ هُوَ غَايَةُ الشَّهَوَاتِ وَشَهْوَتُهُ أَعْظَمُ مِنْ شَهْوَةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَلِهَذَا أَوْجَبَ عَلَى الْمُجَامِعِ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ هَذَا أَغْلَظُ وَدَاعِيَهُ أَقْوَى وَالْمَفْسَدَةَ بِهِ أَشَدُّ. فَهَذَا أَعْظَمُ الْحِكْمَتَيْنِ فِي تَحْرِيمِ الْجِمَاعِ. وَأَمَّا كَوْنُهُ يُضْعِفُ الْبَدَنَ كَالِاسْتِفْرَاغِ فَذَاكَ حِكْمَةٌ أُخْرَى فَصَارَ فِيهِمَا كَالْأَكْلِ وَالْحَيْضِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ أَبْلَغُ مِنْهُمَا فَكَانَ إفْسَادُهُ الصَّوْمَ أَعْظَمَ مِنْ إفْسَادِ الْأَكْلِ وَالْحَيْضِ. فَنَذْكُرُ حِكْمَةَ الْحَيْضِ وَجَرَيَانَ ذَلِكَ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ فَنَقُولُ: إنَّ الشَّرْعَ جَاءَ بِالْعَدْلِ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَالْإِسْرَافُ فِي الْعِبَادَاتِ مِنْ الْجَوْرِ