وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّهْيَ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ. فَمَقَابِرُ الْأَنْبِيَاءِ لَا تُنْتِنُ بَلْ الْأَنْبِيَاءُ لَا يَبْلُونَ وَتُرَابُ قُبُورِهِمْ طَاهِرٌ وَالنَّجَاسَةُ أَمَامَ الْمُصَلِّي لَا تُبْطِلُ صَلَاتَهُ وَاَلَّذِينَ كَانُوا يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ كَانُوا يَفْرِشُونَ عِنْدَ الْقُبُورِ الْمَفَارِشَ الطَّاهِرَةَ فَلَا يُلَاقُونَ النَّجَاسَةَ وَمَعَ أَنَّ الَّذِينَ يُعَلِّلُونَ بِالنَّجَاسَةِ لَا يَنْفُونَ هَذِهِ الْعِلَّةَ؛ بَلْ قَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ النَّهْيَ عَنْ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِخَشْيَةِ التَّشَبُّهِ بِذَلِكَ. وَقَدْ نَصَّ عَلَى النَّهْيِ عَنْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَذَاهِبِ؛ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَمِنْ فُقَهَاءَ الْكُوفَةِ أَيْضًا وَصَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ وَهَذَا لَا رَيْبَ فِيهِ بَعْدَ لَعْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُبَالَغَتِهِ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ. وَاِتِّخَاذُهَا مَسَاجِدُ يَتَنَاوَلُ شَيْئَيْنِ: أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهَا مَسْجِدًا أَوْ يُصَلِّيَ عِنْدَهَا مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ وَهُوَ الَّذِي خَافَهُ هُوَ وَخَافَتْهُ الصَّحَابَةُ إذَا دَفَنُوهُ بَارِزًا: خَافُوا أَنْ يُصَلَّى عِنْدَهُ فَيُتَّخَذَ قَبْرُهُ مَسْجِدًا. وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: {اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ} رُوِيَ ذَلِكَ مُسْنَدًا وَمُرْسَلًا وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ قَالَ: {لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا. وَصَلُّوا عَلَيَّ حَيْثُمَا كُنْتُمْ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي} . وَمَا يَرْوِيهِ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِمَسْجِدِ الْخَلِيلِ أَوْ صَلَّى عِنْدَ قَبْرِ الْخَلِيلِ فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute