أَجْمَعِينَ - بَيِّنٌ لَا يُدْفَعُ. وَمَكْشُوفٌ لَا يَتَقَنَّعُ. بَلْ أَوْضَحُ مِنْ النَّيِّرَيْنِ وَأَظْهَرُ مِنْ فَرَقِ الصُّبْحِ لِذِي عَيْنَيْنِ. وَالْعُمْدَةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: الْحَدِيثُ الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهِ. وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ احْتِمَالَيْ صِيغَتِهِ. وَذَلِكَ: أَنَّ صِيغَةَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ} ذَاتُ وَجْهَيْنِ نَفْيٍ وَنَهْيٍ. لِاحْتِمَالِهِمَا. فَإِنْ لُحِظَ مَعْنَى النَّفْيِ فَمُقْتَضَاهُ: نَفْيُ فَضِيلَةِ وَاسْتِحْبَابِ شَدِّ الرِّحَالِ وَإِعْمَالِ الْمَطِيِّ إلَى غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ؛ إذْ لَوْ فُرِضَ وُقُوعُهُمَا لَامْتَنَعَ رَفْعُهُمَا. فَتَعَيَّنَ تَوَجُّهُ النَّفْيِ إلَى فَضِيلَتِهِمَا واستحبابهما دُونَ ذَاتِهِمَا وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مَا يُعْتَقَدُ أَنَّ إعْمَالَ الْمَطِيِّ وَشَدَّ الرِّحَالِ إلَيْهِ قُرْبَةٌ وَفَضِيلَةٌ: مِنْ الْمَسَاجِدِ وَزِيَارَةُ قُبُورِ الصَّالِحِينَ وَمَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى بَلْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ. وَإِثْبَاتُ ذَلِكَ بِدَلِيلِ ضَرُورَةِ إثْبَاتِ ذَلِكَ الْمَنْفِيِّ الْمُقَدَّرِ فِي صَدْرِ الْجُمْلَةِ لِمَا بَعْدَ " إلَّا ". وَإِلَّا لَمَا افْتَرَقَ الْحُكْمُ بَيْنَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا وَهُوَ مُفْتَرِقٌ حِينَئِذٍ: لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْفَضِيلَةِ وَالِاسْتِحْبَابِ نَفْيُ الْإِبَاحَةِ. فَهَذَا وَجْهُ مُتَمَسَّكِ مَنْ قَالَ بِإِبَاحَةِ هَذَا السَّفَرِ بِالنَّظَرِ إلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ نَفْيٌ وَبُنِيَ عَلَى ذَلِكَ جَوَازُ الْقَصْرِ. وَإِنْ كَانَ النَّهْيُ مَلْحُوظًا. فَالْمَعْنَى نَهْيُهُ عَنْ إعْمَالِ الْمَطِيِّ وَشَدِّ الرِّحَالِ إلَى غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ؛ إذْ الْمُقَرَّرُ عِنْدَ عَامَّةِ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ قَاضٍ بِتَحْرِيمِهِ أَوْ كَرَاهَتِهِ عَلَى حَسَبِ مُقْتَضَى الْأَدِلَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute