كَانَ مَقْصُودُهُ الْقَبْرَ أَنَّهُ سَفَرٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: {لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ} وَأَنَّ السَّفَرَ الَّذِي هُوَ طَاعَةٌ وَقُرْبَةٌ أَنْ يُقْصَدَ السَّفَرُ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يُسَافِرَ إلَى الْمَدِينَةِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يُنْهَى عَنْ الْوَفَاءِ بِنَذْرِهِ: لِأَنَّهُ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ. فَإِذَا كَانَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ مَعْرُوفًا فِي الْكُتُبِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ فَكَيْفَ يُظَنُّ أَنَّ السَّفَرَ لِمُجَرَّدِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ هُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ. وَطَائِفَةٌ أُخْرَى مِنْ الْعُلَمَاءِ يُسَمُّونَ هَذَا زِيَارَةً لِقَبْرِهِ. وَيَقُولُونَ: تُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ قَبْرِهِ أَوْ السَّفَرُ لِزِيَارَةِ قَبْرِهِ وَمَقْصُودُهُمْ بِالزِّيَارَةِ هُوَ مَقْصُودُ الْأَوَّلِينَ وَهُوَ السَّفَرُ إلَى مَسْجِدِهِ وَأَنْ يُفْعَلَ فِي مَسْجِدِهِ مَا يُشْرَعُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ وَالدُّعَاءِ لَهُ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَهَذَا عِنْدَهُمْ يُسَمَّى زِيَارَةً لِقَبْرِهِ مَعَ اتِّفَاقِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ أَحَدًا لَا يَزُورُ قَبْرَهُ الزِّيَارَةَ الْمَعْرُوفَةَ فِي سَائِر الْقُبُورِ فَإِنَّ تِلْكَ قُبُورٌ بَارِزَةٌ يُوصَلُ إلَيْهَا وَيُقْعَدُ عِنْدَهَا. أَوْ يُقَامُ عِنْدَهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُفْعَلَ عِنْدَهَا مَا يُشْرَعُ: كَالدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُ وَمَا يُنْهَى عَنْهُ: كَدُعَائِهِ وَالشِّرْكِ بِهِ وَالنِّيَاحَةِ عِنْدَ قَبْرِهِ وَالنَّدْبِ. فَهَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ " زِيَارَةِ الْقُبُورِ ". وَالرَّسُولُ دُفِنَ فِي بَيْتِهِ فِي حُجْرَتِهِ وَمَنَعَ النَّاسَ مِنْ الدُّخُولِ إلَى هُنَاكَ وَالْوُصُولِ إلَى قَبْرِهِ فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَزُورَ قَبْرَهُ كَمَا يَزُورُ قَبْرَ غَيْرِهِ؛ لَا زِيَارَةً شَرْعِيَّةً وَلَا بِدْعِيَّةً؛ بَلْ إنَّمَا يَصِلُ جَمِيعُ الْخَلْقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute