للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قُلْت: فَمَا صَنَعْتُمْ بِالرَّجُلِ؟ قَالَ: حَفَرْنَا بِالنَّهَارِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ قَبْرًا مُتَفَرِّقَةً فَلَمَّا كَانَ بِاللَّيْلِ دَفَنَّاهُ وَسَوَّيْنَا الْقُبُورَ كُلَّهَا لِنُعَمِّيَهُ عَلَى النَّاسِ لَا يَنْبُشُونَهُ. قُلْت: وَمَا يَرْجُونَ فِيهِ؟ قَالَ: كَانَتْ السَّمَاءُ إذَا حُبِسَتْ عَنْهُمْ بَرَزُوا بِسَرِيرِهِ فَيُمْطَرُونَ. فَقُلْت: مَنْ كُنْتُمْ تَظُنُّونَ الرَّجُلَ؟ قَالَ: رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ " دَانْيَالُ " فَقُلْت: مُنْذُ كَمْ وَجَدْتُمُوهُ مَاتَ؟ قَالَ: مُنْذُ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ. قُلْت مَا كَانَ تَغَيَّرَ مِنْهُ شَيْءٌ؟ قَالَ: لَا؛ إلَّا شُعَيْرَاتٌ مِنْ قَفَاهُ؛ إنَّ لُحُومَ الْأَنْبِيَاءِ لَا تُبْلِيهَا الْأَرْضُ وَلَا تَأْكُلُهَا السِّبَاعُ. وَلَمْ تَدَعْ الصَّحَابَةُ فِي الْإِسْلَامِ قَبْرًا ظَاهِرًا مِنْ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ يَفْتَتِنُ بِهِ النَّاسُ؛ وَلَا يُسَافِرُونَ إلَيْهِ وَلَا يَدْعُونَهُ وَلَا يَتَّخِذُونَهُ مَسْجِدًا. بَلْ قَبْرُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَبُوهُ فِي الْحُجْرَةِ وَمَنَعُوا النَّاسَ مِنْهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْقُبُورِ عَفْوُهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ؛ إنْ كَانَ النَّاسُ يَفْتَتِنُونَ بِهِ وَإِنْ كَانُوا لَا يَفْتَتِنُونَ بِهِ فَلَا يَضُرُّ مَعْرِفَةُ قَبْرِهِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ أَتَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ: أَجِبْ رَبَّك فَلَطَمَهُ مُوسَى فَفَقَأَ عَيْنَهُ فَرَجَعَ الْمَلَكُ إلَى اللَّهِ فَقَالَ: أَرْسَلْتنِي إلَى عَبْدٍ لَك لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ وَقَدْ فَقَأَ عَيْنِي قَالَ: فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ عَيْنَهُ وَقَالَ: ارْجِعْ إلَى مُوسَى فَقُلْ لَهُ: الْحَيَاةَ تُرِيدُ؟ فَإِنْ كُنْت تُرِيدُ الْحَيَاةَ فَضَعْ يَدَك عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ فَمَا وَارَتْ يَدَك مِنْ شَعْرِهِ فَإِنَّك تَعِيشُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةً. قَالَ ثُمَّ مَاذَا؟