وَإِمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَقَظَةً وَيُخَاطِبُهُمْ وَيُخَاطِبُونَهُ. وَقَدْ يَسْتَفْتُونَهُ وَيَسْأَلُونَهُ عَنْ أَحَادِيثَ فَيُجِيبُهُمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّ الْحُجْرَةَ قَدْ انْشَقَّتْ وَخَرَجَ مِنْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَانَقَهُ هُوَ وَصَاحِبَاهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالسَّلَامِ حَتَّى وَصَلَ مَسِيرَةَ أَيَّامٍ وَإِلَى مَكَانٍ بَعِيدٍ. وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ أَعْرِفُ مِمَّنْ وَقَعَ لَهُ هَذَا وَأَشْبَاهَهُ عَدَدًا كَثِيرًا. وَقَدْ حَدَّثَنِي بِمَا وَقَعَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَبِمَا أَخْبَرَ بِهِ غَيْرَهُ مِنْ الصَّادِقِينَ مَنْ يَطُولُ هَذَا الْمَوْضِعُ بِذِكْرِهِمْ. وَهَذَا مَوْجُودٌ عِنْدَ خَلْقٍ كَثِيرٍ كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ عِنْدَ النَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ لَكِنْ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يُكَذِّبُ بِهَذَا وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ إذَا صَدَّقَ بِهِ يَظُنُّ أَنَّهُ مِنْ الْآيَاتِ الْإِلَهِيَّةِ وَأَنَّ الَّذِي رَأَى ذَلِكَ رَآهُ لِصَلَاحِهِ وَدِينِهِ. وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَأَنَّهُ بِحَسَبِ قِلَّةِ عِلْمِ الرَّجُلِ يُضِلُّهُ الشَّيْطَانُ. وَمَنْ كَانَ أَقَلَّ عِلْمًا قَالَ لَهُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلشَّرِيعَةِ خِلَافًا ظَاهِرًا. وَمَنْ عِنْدِهِ عِلْمٌ مِنْهَا لَا يَقُولُ لَهُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلشَّرِيعَةِ وَلَا مُفِيدًا فَائِدَةً فِي دِينِهِ؛ بَلْ يُضِلُّهُ عَنْ بَعْضِ مَا كَانَ يَعْرِفُهُ فَإِنَّ هَذَا فِعْلُ الشَّيَاطِينِ وَهُوَ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ اسْتَفَادَ شَيْئًا فَاَلَّذِي خَسِرَهُ مِنْ دِينِهِ أَكْثَرُ. وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ قَطُّ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ: إنَّ الْخَضِرَ أَتَاهُ وَلَا مُوسَى وَلَا عِيسَى وَلَا أَنَّهُ سَمِعَ رَدَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ. وَابْنُ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ وَلَمْ يَقُلْ قَطُّ إنَّهُ يَسْمَعُ الرَّدَّ. وَكَذَلِكَ التَّابِعُونَ وَتَابِعُوهُمْ. وَإِنَّمَا حَدَثَ هَذَا مِنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute