وَكَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - يَأْتِيهِ فَيَسْأَلُهُ عِنْدَ الْقَبْرِ عَنْ بَعْضِ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ وَأَشْكَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْعِلْمِ لَا خُلَفَاؤُهُ الْأَرْبَعَةُ وَلَا غَيْرُهُمْ. مَعَ أَنَّهُمْ أَخَصُّ النَّاسِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ابْنَتُهُ فَاطِمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمْ يَطْمَعْ الشَّيْطَانُ أَنْ يَقُولَ لَهَا: اذْهَبِي إلَى قَبْرِهِ فَسَلِيهِ هَلْ يُورَثُ أَمْ لَا يُورَثُ. كَمَا أَنَّهُمْ أَيْضًا لَمْ يَطْمَعْ الشَّيْطَانُ فِيهِمْ فَيَقُولُ لَهُمْ: اُطْلُبُوا مِنْهُ أَنْ يَدْعُوَ لَكُمْ بِالْمَطَرِ لَمَّا أَجْدَبُوا. وَلَا قَالَ: اُطْلُبُوا مِنْهُ أَنْ يَسْتَنْصِرَ لَكُمْ. وَلَا أَنْ يَسْتَغْفِرَ كَمَا كَانُوا فِي حَيَاتِهِ يَطْلُبُونَ مِنْهُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ لَهُمْ وَأَنْ يَسْتَنْصِرَ لَهُمْ فَلَمْ يَطْمَعْ الشَّيْطَانُ فِيهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَطْلُبُوا مِنْهُ ذَلِكَ. وَلَا طَمِعَ بِذَلِكَ فِي الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ. وَإِنَّمَا ظَهَرَتْ هَذِهِ الضَّلَالَاتُ مِمَّنْ قَلَّ عِلْمُهُ بِالتَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ فَأَضَلَّهُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَضَلَّ النَّصَارَى فِي أُمُورٍ لِقِلَّةِ عِلْمِهِمْ بِمَا جَاءَ بِهِ الْمَسِيحُ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ. وَكَذَلِكَ لَمْ يَطْمَعْ الشَّيْطَانُ أَنْ يَطِيرَ بِأَحَدِهِمْ فِي الْهَوَاءِ وَلَا أَنْ يَقْطَعَ بِهِ الْأَرْضَ الْبَعِيدَةَ فِي مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ. كَمَا يَقَعُ مِثْلُ هَذَا لِكَثِيرِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّ الْأَسْفَارَ الَّتِي كَانُوا يسافرونها كَانَتْ طَاعَاتٍ كَسَفَرِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْجِهَادِ وَهَذِهِ يُثَابُونَ عَلَى كُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُونَهَا فِيهِ وَكُلَّمَا بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ كَانَ الْأَجْرُ أَعْظَمَ: كَاَلَّذِي يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إلَى الْمَسْجِدِ فَخُطُوَاتُهُ إحْدَاهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute