يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ إذَا زَارُوا الْقُبُورَ أَنْ يُسَلِّمُوا عَلَيْهِمْ فَيَقُولُوا: {السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ} . فَاَلَّذِينَ جَعَلُوا السَّلَامَ مِنْ خَصَائِصِهِ لَا يَمْنَعُونَ مِنْ السَّلَامِ عَلَى الْحَاضِرِ لَكِنْ يَقُولُونَ: لَا يُسَلَّمُ عَلَى الْغَائِبِ. فَجَعَلُوا السَّلَامَ عَلَيْهِ مَعَ الْغَيْبَةِ مِنْ خَصَائِصِهِ. وَهَذَا حَقٌّ. لَكِنَّ الْأَمْرَ بِذَلِكَ وَإِيجَابَهُ هُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ كَمَا فِي التَّشَهُّدِ. فَلَيْسَ فِيهِ سَلَامٌ عَلَى مُعَيَّنٍ إلَّا عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ وَهَذَا يُؤَيِّدُ أَنَّ السَّلَامَ كَالصَّلَاةِ كِلَاهُمَا وَاجِبٌ لَهُ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا. وَغَيْرُهُ فَلَيْسَ وَاجِبًا إلَّا سَلَامُ التَّحِيَّةِ عِنْدَ اللِّقَاءِ فَإِنَّهُ مُؤَكَّدٌ بِالِاتِّفَاقِ. وَهَلْ يَجِبُ أَوْ يُسْتَحَبُّ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَعْرُوفَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ. وَاَلَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ النُّصُوصُ أَنَّهُ وَاجِبٌ. وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ: يُسَلِّمُ عَلَيْهِ إذَا لَقِيَهُ وَيَعُودُهُ إذَا مَرِضَ وَيُشَيِّعُهُ إذَا مَاتَ وَيُجِيبُهُ إذَا دَعَاهُ وَرُوِيَ وَيُشَمِّتُهُ إذَا عَطَسَ} . وَقَدْ أَوْجَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ. وَالصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ بِإِجْمَاعِهِمْ وَالسَّلَامُ عِنْدَ اللِّقَاءِ أَوْكَدُ مِنْ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ. وَكَذَلِكَ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَالشَّرُّ الَّذِي يَحْصُلُ إذَا لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلَمْ يَعُدْهُ إذَا مَرِضَ أَعْظَمُ مِمَّا يَحْصُلُ إذَا لَمْ يُجِبْ دَعْوَتَهُ. وَالسَّلَامُ أَسْهَلُ مِنْ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ وَمِنْ الْعِيَادَةِ. وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ لِبَسْطِهَا مَوَاضِعُ أُخَرُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute