للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِمَّا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ. وَالْآنَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ. فَلِهَذَا كَانَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْحُجْرَةَ وَيُسَلِّمَ عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلْ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. فَإِنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ تَوَلَّى بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ عَبْدِ الْمَلِكِ سَنَةَ بِضْعٍ وَثَمَانِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ وَكَانَ قَدْ مَاتَ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ وَتُوَفِّي عَامَّةُ الصَّحَابَةِ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ. وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ بِالْأَمْصَارِ إلَّا قَلِيلٌ جِدًّا: مِثْلُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِالْبَصْرَةِ فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ الْوَلِيدِ سَنَةَ بِضْعٍ وَتِسْعِينَ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِهَا. وَالْوَلِيدُ أَدْخَلَ الْحُجْرَةَ بَعْد ذَلِكَ بِمُدَّةِ طَوِيلَةٍ نَحْوَ عَشْرِ سِنِينَ. وَبِنَاءُ الْمَسْجِدِ كَانَ بَعْدَ مَوْتِ جَابِرٍ فَلَمْ يَكُنْ قَدْ بَقِيَ بِالْمَدِينَةِ أَحَدٌ. وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَزَادَ فِي الْمَسْجِدِ وَالصَّحَابَةُ كَثِيرُونَ وَلَمْ يُدْخِلْ فِيهِ شَيْئًا مِنْ الْحُجْرَةِ بَلْ تَرَكَ الْحُجْرَةَ النَّبَوِيَّةَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ خَارِجَةً عَنْ الْمَسْجِدِ مُتَّصِلَةً بِهِ مِنْ شَرْقِيِّهِ كَمَا كَانَتْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَكَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِيهَا. وَلَمْ تَزَلْ عَائِشَةُ فِيهَا إلَى أَوَاخِرَ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَتُوُفِّيَتْ بَعْدَ مَوْتِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ. وَكَانَ الْحَسَنُ قَدْ اسْتَأْذَنَهَا فِي أَنْ يُدْفَنَ فِي الْحُجْرَةِ فَأَذِنَتْ لَهُ لَكِنْ كَرِهَ ذَلِكَ نَاسٌ آخَرُونَ وَرَأَوْا أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا لَمْ يُدْفَنْ فِيهَا فَلَا يُدْفَنُ غَيْرُهُ. وَكَادَتْ تَقُومُ فِتْنَةٌ. وَلَمَّا احْتَضَرَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَوْصَتْ أَنْ تُدْفَنَ مَعَ