للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمَنْ تَدَبَّرَ الْفِتَنَ الْوَاقِعَةَ رَأَى سَبَبَهَا ذَلِكَ وَرَأَى أَنَّ مَا وَقَعَ بَيْنَ أُمَرَاءِ الْأُمَّةِ وَعُلَمَائِهَا وَمَنْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ مُلُوكِهَا وَمَشَايِخِهَا؛ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ الْعَامَّةِ مِنْ الْفِتَنِ: هَذَا أَصْلُهَا؛ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَسْبَابُ الضَّلَالِ وَالْغَيِّ: الَّتِي هِيَ الْأَهْوَاءُ الدِّينِيَّةُ والشهوانية؛ وَهِيَ الْبِدَعُ فِي الدِّينِ وَالْفُجُورُ فِي الدُّنْيَا وَذَلِكَ أَنَّ أَسْبَابَ الضَّلَالِ وَالْغَيِّ الْبِدَعُ فِي الدِّينِ وَالْفُجُورُ فِي الدُّنْيَا وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ: تَعُمُّ بَنِي آدَمَ؛ لِمَا فِيهِمْ مِنْ الظُّلْمِ وَالْجَهْلِ؛ فَبِذَنْبِ بَعْضِ النَّاسِ يَظْلِمُ نَفْسَهُ وَغَيْرَهُ؛ كَالزِّنَا بِلِوَاطِ وَغَيْرِهِ؛ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ؛ أَوْ ظُلْمٍ فِي الْمَالِ بِخِيَانَةِ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ غَصْبٍ؛ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الْمَعَاصِيَ وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَقْبَحَةً مَذْمُومَةً فِي الْعَقْلِ وَالدِّينِ فَهِيَ مُشْتَهَاةٌ أَيْضًا وَمِنْ شَأْنِ النُّفُوسِ أَنَّهَا لَا تُحِبُّ اخْتِصَاصَ غَيْرِهَا بِهَا؛ لَكِنْ تُرِيدُ أَنْ يَحْصُلَ لَهَا مَا حَصَلَ لَهُ وَهَذَا هُوَ الْغِبْطَةُ الَّتِي هِيَ أَدْنَى نَوْعَيْ الْحَسَدِ. فَهِيَ تُرِيدُ الِاسْتِعْلَاءَ عَلَى الْغَيْرِ وَالِاسْتِئْثَارَ دُونَهُ؛ أَوْ تَحْسُدُهُ وَتَتَمَنَّى زَوَالَ النِّعْمَةِ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ؛ فَفِيهَا مِنْ إرَادَةِ الْعُلُوِّ وَالْفَسَادِ وَالِاسْتِكْبَارِ وَالْحَسَدِ مَا مُقْتَضَاهُ أَنَّهَا تَخْتَصُّ عَنْ غَيْرِهَا بِالشَّهَوَاتِ؛ فَكَيْفَ إذَا رَأَتْ الْغَيْرَ قَدْ اسْتَأْثَرَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ وَاخْتَصَّ بِهَا دُونَهَا؟ فَالْمُعْتَدِلُ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ الَّذِي يُحِبُّ الِاشْتِرَاكَ والتساوي وَأَمَّا الْآخَرُ فَظَلُومٌ حَسُودٌ. وَهَذَانِ يَقَعَانِ فِي الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ وَالْأُمُورِ الْمُحَرَّمَةِ لِحَقِّ اللَّهِ فَمَا كَانَ