للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ بَعْضُهُمْ:

أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ذَنْبًا لَسْت مُحْصِيهِ … رَبَّ الْعِبَادِ إلَيْهِ الْوَجْهُ وَالْعَمَلُ

وَقَدْ اسْتَعْمَلَ هُنَا أَرْبَعَةَ أَلْفَاظٍ: إسْلَامُ الْوَجْهِ؛ وَإِقَامَةُ الْوَجْهِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} . وَقَوْلُهُ: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} وَتَوْجِيهُ الْوَجْهِ كَقَوْلِ الْخَلِيلِ: {إنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} . وَكَذَلِكَ كَانَ {النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ فِي صَلَاتِهِ: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} } . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ {النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يَقُولُ إذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْت نَفَسِي إلَيْك وَوَجَّهْت وَجْهِي إلَيْك} . فَالْوَجْهُ يَتَنَاوَلُ الْمُتَوَجِّهَ وَالْمُتَوَجَّهَ إلَيْهِ وَيَتَنَاوَلُ الْمُتَوَجَّهَ نَفْسَهُ كَمَا يُقَالُ: أَيُّ وَجْهٍ تُرِيدُ؟ أَيْ: أَيُّ وُجْهَةٍ وَنَاحِيَةٍ تَقْصِدُ: وَذَلِكَ أَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ. فَحَيْثُ تَوَجَّهَ الْإِنْسَانُ تَوَجَّهَ وَجْهُهُ؛ وَوَجْهُهُ مُسْتَلْزِمٌ لِتَوَجُّهِهِ؛ وَهَذَا فِي بَاطِنِهِ وَظَاهِرِهِ جَمِيعًا. فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أُمُورٍ. وَالْبَاطِنُ هُوَ الْأَصْلُ وَالظَّاهِرُ هُوَ الْكَمَالُ وَالشِّعَارُ فَإِذَا تَوَجَّهَ قَلْبُهُ إلَى شَيْءٍ تَبِعَهُ وَجْهُهُ الظَّاهِرُ فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ قَصْدُهُ وَمُرَادُهُ وَتَوَجُّهُهُ إلَى اللَّهِ فَهَذَا صَلَاحُ إرَادَتِهِ وَقَصْدُهُ